"اكتشاف زقورة"؛ في هذا العمل للروائي العراقي فاتح عبد السلام، يتعشق السردي بالشعري، ويرتقي النص عبر فيض الشحنة المخضّبة بصوت تاريخ العراق القديم.من بقايا الحروب يأتي بطل الرواية ليبدأ حياته من حيث انتهى جسداً متفسّخاً على سرير في غرفة منسيّة، عبر رحلة مضنية
أنت هنا
قراءة كتاب اكتشاف زقورة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 5
في لجّة الحديـث ، إنسل الرجل من المقهى ونسي صاحبها مطالبته بثـــمن الشاي فكان خلاصاً جديداً من احراج يتكرر كلّ يوم ، ويفكر ساعات طويلة في حلّه ، ويكاد يفشل أحياناً·
عند انبثاق يوم جديد كانت مشكلته قد فتّقت كلّ أوعيتها ولم يكن قادراً على لمّها· فَقَدَ لذة إيمانه القديم في صدق نيّات البلديّة في توزيع فرص عمل مجزية الأجور· خَوتْ عروقه وصار يرى الأشياء ولا يعيها· فقرّرَ الانتحار بلا مقدمات كان على يقين أنّه سيرتكب على' وفق شريعته الدينية معصيته الأولى والأخيرة·
زوبعَ بومٌ كبير في رأسه فتسخمَنَ أفقُ الحياة في عينيه ، لَكَزَ خطواته إلى المقهى ، وقال لصاحبه :
- علمتُ ياعمّ أنّك تعاني من عجز كلويّ ، وأريد أنْ أتبرع لك بكليتي·
- لا ينفع يابني فالقلب أكثر تعباً·
- أتبرع لك بقلبي·
- هل جننت ، وكيف تعيش !؟
- قررتُ إنهاء حياتي وسأفعل ذلك الساعة·
- ألم تفكر بعاقبة معصية الله وأنت رجل مؤمن ؟
- من أجل الله أسعى إلى الموت· لا أريدُ إرتكاب ملايين المعاصي بحجّة التشبث بالحياة· سأرتكب معصيةً واحدةً تخلّصني من إرث كبير من الخطايا لستُ قادراً على تحمّلهِ·
إرتفعت أذنا صاحب المقهى حين أطرق ، بانتا كمجذافين عريضين ينبثقان من بلم رشيق ، ثمَّ قال بعد صمت : لك منيّ نصيحة المخلصين· عليك أنْ تموت ميتةَ شرف وعزّ وإيمان·
قال الرجل : أقبَلُ ياعمّ نصيحتك·
قال صاحب المقهى : تذهب إلى جبهات الحرب متطوعاً أبدياً لا إجازة لك ولا راحة ، تكون أقرب الجنود الى خط الموت ، حتى يقضي الله أجلاً كان مكتوباً·
حَلَبَ الرجلُ الصحارى ، وتحوّلَ إلى عِلّيقة شوكاء شديدة العطش لموتٍ لا يجيء· الرصاص يمرُّ في كلّ لحظة أثيريّة ، كان يرى الثواني تسقط قتيلات بين نَفَسٍ ونَفَس ، غير أنَّه مازال يحمل بندقيته المسنونة سنةً بعد أُخرى ، في مجاهيل وديان وبقاع مالحة·
وتحوّل ذلك الجندي الذي اشتهى الموتَ طريقاً للخلاص ، إلى أسطورة الجبهات، فلم يعد صدره النحيل يتسع أغصان الأوسمة وأقمار النياشين التي كانت تفيض عليه·