يقدم نصار في هذه المجموعة الجديدة، وبلغة قصصية رشيقة جميلة الصياغة، نماذج فنية في إطار بناء سردي متماسك، تأسر القارىء منذ استهلالها وتطرح مضامين عصرية وتدخل أحياناً تخوماً غير مطروقة من قبل كي تبرز بايقاع مأساوي مؤثر تناقضات الحياة ومفاجآتها من خلال عذابات
أنت هنا
قراءة كتاب امرأة في حفل توقيع
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 7
يتصل "جمال" بين حين وآخر ليطمأن أمي. أعرف أنه مجرد تسكين للألم بدواء انتهت صلاحيته. لم يحصل شيء منذ أسبوعين. كل يوم تذهب للفرع فلا تسمع سوى الوعود والتعاطف. تذهب للمركز الامني لتسأل عنها بلا فائدة. لم أكن أتخيل أن الشر يمكن أن يتحول الى ملاك بلباس أبيض.. يختفي بيننا ونحن لا ندري. تأثر جمال كثيراً بالقصة: "اذا لم يجدوها، فسأدفع ذلك من جيبي".
أريد أن أصرخ.. لا أريد شفقة من أحد. أريد حقي.. منذ ثلاث سنوات وهو يشقى في سبيله، ويقاسي معاناة الغربة لأجل ذلك اليوم. أحاول أن أتخيل كيف يعيش وحده في مركز صحي على تخوم الربع الخالي. رسائله تفيض بالشوق ومرارة الوحدة وشظف العيش وحيداً. عندما أسمع رنة هاتفه أميزها.. اضطرب ويخفق قلبي.. أغلق الباب ورائي.. أخجل أن يراني أحد وأنا محمرة الوجه. يخبرني أنه يعدّ الايام يوماً بعد يوم، وساعة بعد أخرى. هل ما زال ذلك اليوم قريباً أم صار بعيداً؟ أحس إنه صار أبعد من مركزه النائي في شرورة شرق نجران. كيف سنخبره؟ وماذا ستكون ردة فعله؟ ماذا سيظن بنا؟
تزوج إخوتي الاربعة الكبار ورحلوا عنا. لم يبق سواى وأمي.. تعبت منذ أن تفتحت عيناي على الدنيا. تفتحتْ على دنيا قاسية لم أر فيها أبي. قالت أمي انفجر فيه لغم وهو على الحدود. عشت حسرة كبرت معي كل يوم. أثور على قدري بالبكاء والدموع كلما ذكرت أمي سيرته. لماذا حرمتني الايام أن أراه وأسمع صوته وأحس بحنانه؟ غدر بي الحظ أو القدر لا فرق. احتجت أمي ببساطتها: "بل هو نصيبنا".
لا يهم يا أمي.. لا يعرف معنى الحرمان سوى من جرحته أنياب الحياة. كنت أتمنى كأي فتاة أن ترى أباها الى جانبها في مثل ذلك اليوم. كلما رأيت ملامحه المبتسمة في الصورة على الحائط وهو يلبس لباسه العسكري، أحس بفجيعة القدر الذي حرمني منه قبل أن آتي إلى الدنيا.. لكنني تصالحت مع قدري ودفنت حسرتي في أعماقي عندما أطل فارس. لمست في كلامه حناناً إفتقدته منذ زمن. أحسست بالامان الممزوج بخوف في دنيا قاسية. وجدت كثيراً من الشبه بيننا. تركت أمي ووقفت أحدق في ملامح أبي.. تنثال الذاكرة الحزينة بتخيلاتها.. أشعر أنه يوشك أن يتكلم.. أحدق فيه فينفجر شلال الالم في شراييني.. أكاد أختنق..


