يقدم نصار في هذه المجموعة الجديدة، وبلغة قصصية رشيقة جميلة الصياغة، نماذج فنية في إطار بناء سردي متماسك، تأسر القارىء منذ استهلالها وتطرح مضامين عصرية وتدخل أحياناً تخوماً غير مطروقة من قبل كي تبرز بايقاع مأساوي مؤثر تناقضات الحياة ومفاجآتها من خلال عذابات
أنت هنا
قراءة كتاب امرأة في حفل توقيع
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 3
نجح اياد في تبني وجهة نظر المرأة التي يروي بلسانها بعض قصص المجموعة، فكأنه يعيد سلطة الحكاءات الشعبيات اللاتي كن ولايزلن عارفات القبيلة وحكيمات العشيرة وكاهنات الربع، تجتمع لديهن النساء ليروين أمامهن حكايات العذاب والعشق والأحلام وغرائب الأحداث.
تنفرد قصة (حياة بين الأموات) بمقاربتها لقضية عامة من منظور محنة خاصة لإمرأة، وهي قضية نادراً ما تطرق إليها كتاب عرب، قدمها الكاتب هنا بجرأة وذكاء كبيرين من وجهة نظر أنثوية وهي موضوعة فئة المقاتلين المتطوعين أو المستأجرين كمرتزقة في مناطق معينة من عالمنا وفي مقدمتهم مجموعات (العرب الافغان)، الذين استدرجوا الى أفغانستان وصحبوا معهم زوجاتهم وأطفالهم الذين أصبحوا أول الضحايا والأكثر تضرراً لخيار هؤلاء الرجال المخدوعين، واختيار وجهة النظر الأنثوية اختيار ذكي وبارع، فنحن نعلم أن نتائج كوارث الحروب والصراعات العرقية والعنف والإرهاب تقع في المقام الأول على الضحايا من النساء اللائي يتحولن إلى أرامل بائسات أو شهيدات بلا قضية، لأنهن لم يخترن هذا السبيل وهذا المصير، إنها من القصص الجديرة بالإعجاب شكلا ومضمونا ومعالجة.
تتميز من بين قصص المجموعة قصة (ولادة قصيدة) ببناء فني جميل وتوتر مشوق ونسق كلاسيكي محكم يعتمد الحبكة وتصاعد الحدث بلوغاً الى الكشف في مشهد النهاية، غير أن إياد ينوع في بنى قصصه ولا يركن إلى بنية فنية واحدة فيها.
يبرع إياد نصار في اختيار رواة قصصه من النساء ويقنعنا تماماً بأن راويته الأنثى تتحدث منطلقة من وعي نسوي بالعالم والبشر والأحداث الدائرة حولها باعتبارها مركز الرؤية وبؤرتها، بخاصة في قصة (رسالة) وقصص أخرى، وهو بهذا يعيد الاعتبار للخطاب النسوي والرؤية الانثوية للعالم عبر منظور جندري ينأى بالكاتب عن التعصب البطرياركي الذي ألفناه لدى معظم كتابنا الرجال، هذا الخطاب الذي يتجنبه كثير من الكتاب وحتى الكاتبات اللائي يكتبن عن العالم من وجهة نظر ذكورية، بل ويصدرن الأحكام على النساء من خلال هذه الوجهة وعبر هذا التبني لخطاب نسوي من منظور المرأة ذاتها. يتناول الكاتب معضلات المرأة المستوحدة وتحولات الواقع والتعامل الذكوري مع أحلام النساء الهشة القابلة للتحطم في لحظة كشف يبرع إياد في تقديمها كخواتيم لقصصه الجميلة.