أنت هنا

قراءة كتاب البئر الأولى

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
البئر الأولى

البئر الأولى

كتاب "البئر الأولى، فصول من السيرة الذاتية"، يقول المؤلف جبرا إبراهيم جبرا في مقدمة كتابه: أنا لا أكتب هنا تاريخاً لتلك الفترة· ثمة من هم أعلم، وأجدر، وأبرع مني في سلسلة ووصف أحداث العشرينات وأوائل الثلاثينات في فلسطين· ولا أنا أكتب هنا تاريخاً لأسرتي، لأن

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 8
- 2 -
 
في المدرسة رأيتهم يكتبون· يمسك الواحد منهم باللابصة (قلم الرصاص)، ويفتح الدفتر، ويكتب على الورق الأبيض المسطّر· كانوا يرفعون رؤوسهم وينظرون عبر رأس المعلم إلى اللوح - وهو مجموعة من أخشاب شدَّت معاً على شكل مربع، ورُكّزت على مسند ثلاثي الأرجل، وصُبغت يوماً بالأسود، ولكنها الآن تكاد تكون بيضاء من تراكم أثر الطباشير، رغم مسحها، وتفارقت الأخشاب بعضها عن بعض· وقد خط المعلم على هذا اللوح بضعة حروف· والصبية يكتبون· ومن عادة كل منهم أن يمدّ لسانه، ويبلل طرف القلم على حافة لسانه، ويكتب· ويمحو بممحاة صغيرة عليها صورة فيل· وينقرم القلم· فيبريه بالبرّاية· ويغمس الأسود المبريّ بلعاب لسانه· وينظر إلى اللوح ويكتب·
 
كان ذلك أول يوم لي، أو أحد أيامي الأولى في مدرسة الروم الواقعة خلف كنيسة المهد· قلت للمعلم، وأنا على بنك طويل بين أربعة أو خمسة أطفال مثلي : معلمي، هل أكتب أنا أيضاً؟
 
قال : هل أحضرت معك دفترك وقلمك؟
 
قلت : لا·
 
قال : كيف تكتب إذن؟
 
قلت: في دفتر أحد الأولاد الذين عندهم دفاتر·
 
فضحك الصبية· حتى المعلم ضحك، وقال : لا يا ولد· غداً أحضر دفترك وقلمك، واكتب
 
بعد قليل دق المعلم جرساً· وخرجنا إلى الملعب· كانت هناك شجرة صنوبر كبيرة منحنية، تكاد تقسم الساحة الصغيرة إلى قسمين· قفزت على الجذع المنحني، ومنه تسلقت إلى الأغصان العليا· ولحق بي جماعة من الصبية· وما كدنا نلعب قليلاً حتى رأينا المعلم يدق جرسه مرة أخرى· وعدنا إلى الصف كنا على الأقل خمسين ولداً، من أعمار شتى· كنت أرى معظمهم كبيراً بالنسبة إليّ: في العاشرة، والثانية عشرة، وربما كان بعضهم في الرابعة عشرة· وأنا في الخامسة، حافي القدمين· وأكثرنا حفاة، غير أن بعض الأولاد الكبار يلبسون أحذية ضخمة، خلّّفها الجيش العثماني لآبائهم·
 
قبل الظهر خرجنا إلى البيت، في ساعة الغداء· رحت ركضاً إلى بيتنا، ووجدت جدتي في الحاكورة تنظر إلى ظل شجرة اللوز الواقع على حائط البيت· فقالت: لماذا جئت قبل الوقت؟·
 
- ولكنها ساعة الظهر
 
- لا يا حبيبي· لم يصل الظل إلى هذا الحجر بعد· وأشارت إلى حجر ناتئ في الجدار· أتعتقد أنني لا أعرف متى تكون ساعة الظهر؟
 
- لا أدري· أخرجنا المعلم، وقال ارجعوا في الساعة الواحدة·
 
فصاحت جدتي: مريم! حضّري الغداء· ابنك جاء!
 
كانت لي علاقة خاصة بجدتي، من وراء ظهر أمي· فهي تعلم أن أمي عصبية، وإذا فعلت أنا شيئاً لا ترضى عنه أمي وعرفت به، أطعمتني قتلة فكانت جدتي تتستّر عليّ·

الصفحات