أنت هنا

قراءة كتاب السلطة والحرية الفكرية والمجتمع

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
السلطة والحرية الفكرية والمجتمع

السلطة والحرية الفكرية والمجتمع

يضم هذا الكتاب عدداً من المقالات التي تعالج مواضيع في شتى المجالات معالجة وصفية وتحليلية ونقية وتفكيكية.

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 4
النقد والإبداع
 
يعتقد بعض الناس أن النقد والإبداع لا يجتمعان في شخص واحد· غير أن ذلك الاعتقاد خاطئ· لقد نشأ عدد كبير من الناقدين والمبدعين العرب وغير العرب الذين اجتمع في كل واحد منهم الناقد العظيم والمبدع العظيم· وفي نفس المفكر أو الكاتب الناقد المبدع يمكن أن يسيطر الناقد على المبدع او المبدع على الناقد· وتكون سيطرة أحدهما على حساب الآخر ولكن تلك لا تعني إزالة الآخر·
 
خلال المعاناة او التجربة النفسية الفكرية الوجدانية الحارة يكون للإبداع فضاء أوسع من فضاء النقد، ويتصدر شخص المبدع ويتراجع شخص الناقد، وذلك لأن الانطلاق النفسي الفكري العاطفي الذي يقترن بالإبداع لا يطيق القيود المبطئة التي تقترن عادة بالنقد· ولا يقصد بذلك أن النقد يفتقر إلى الانطلاق الفكري ولكن هذا الانطلاق أقل سرعة من الانطلاق الإبداعي·
 
وفي الإبداع فضاء اوسع لعوالم الشعر والخيال والفلسفة والجمال والسحر· وللنقد حيز أصغر في هذه العوالم· لا يمكن للناقد أن يلج هذه العوالم بسهولة وسرعة ولوج المبدع· والمبدع إذا حلق حلق عالياً جداً وإذا استغرقته المكابدة أو التجربة النفسية العاطفية الفكرية كان الاستغراق عميقاً جداً، يغوص في الأعماق التي لا قاع لها· تنقله المعاناة الإبداعية من عالمه· يتعرف بسرعة على عوالمه السحرية المقدسة؛ يدخل بخفة في هذه العوالم التي يرى أنها مألوفة لديه· لا يمكن للناقد أن يخترق الفضاء على وتيرة سرعة المبدع، ولا يمكن للناقد وهو يراعي قواعد لعبة النقد أن يجاري المبدع المنساب في فضاء التجربة غير المحدود· وإذا جارى المبدع الناقد انحسرت شعلة الإبداع المتوهجة فيه وقلت سرعة الانطلاق الجامح وعاد المبدع حزيناً من عوالمه الوردية والبنفسجية والسحرية إلى عالم القيد والضوابط والرتابة، عاد وهو يلتفت بتلهف وراءه إلى العوالم التي خرج منها·
 
وعندما يعود الكاتب من مملكة الإبداع إلى الاشياء العادية التي نعرفها يمكن ان يعود الناقد فيه إلى الصدارة فيعمل ملكة النقد· ثم قد يشعر ذلك الكاتب أنه مل من الكتابة النقدية فتبدأ محركات الفيض الإبداعي تعتمل في نفسه صوب المكابدة الشعرية والوجدانية والفكرية، فتراه ينطلق بسرعة الموله المنطلق إلى حبيبته، نحو عوالمه السحرية الخاصة به التي تنتظره، كأنه على موعد مع تلك العوالم، يطير إليها بجناحيه اللذين يغطيان مشارق الأرض ومغاربها، ينطلق نحو اشعة الشمس الدافئة الحارة المحرقة، كأنه يريد أن يحترق، كأنه يريد أن يقذف بنفسه في لجة اللهب، كأنه يريد أن يحيى عن طريق الموت، وأن يبعث بالدخول إلى المجهول·
 
ومن أين لهذا الناقد أن يصل إلى هناك· لن يصل الناقد إلى هناك، إلا اذا كابد التجربة، وعندها لن يعود ناقداً؛ يتلاشى الناقد فيه فيتحول إلى مبدع، لا وقت لديه يضيعه على ذلك الشيء البطيء الحركة العادي المألوف، الذي يسمى الفكر النقدي· فالمعاناة أفقدت الناقد فيه·

الصفحات