يضم هذا الكتاب عدداً من المقالات التي تعالج مواضيع في شتى المجالات معالجة وصفية وتحليلية ونقية وتفكيكية.
أنت هنا
قراءة كتاب السلطة والحرية الفكرية والمجتمع
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية

السلطة والحرية الفكرية والمجتمع
الصفحة رقم: 7
ويتمتع رجل السياسة القوي بقدر أكبر من حرية التعبير· فإذا كان رجل السياسة هذا مثقفاً ومفكراً وأراد اعمال التفكير في مسائل مختلفة فيحتمل احتمالاً كبيراً أن يكون هذا التفكير متأثراً تأثراً أكبر بحكم تحزبه السياسي بالاعتبارات السياسية التي لا تتفق بالضرورة مع مقتضيات التفكير النقدي الحر·
وتوجد ظاهرة عالمية تتمثل في وجود ابتعاد وأحيانا نفور بين المثقفين وغير المثقفين· ومن أسباب هذه الظاهرة الصعوبة التي يواجهها بعض الناس في فهم فكر أصحاب الفكر النقدي وطريقة معالجتهم للمسائل· ولا يشغل الفكر الجاد المتعمق الناقد عموماً مكانه الذي يستحقه على الخريطة السياسية في كل أرجاء المعمورة، غير أنه يبدو أن هذا الفكر يشغل مكاناً أصغر على الخريطة الثقافية العربية· ويعود ذلك إلى أسباب مختلفة منها أن الثقافة في أماكن في الوطن العربي تعني في المقام الأول الأدب من النثر والشعر· ولو أولت وسائط الاتصال الجماهيري المرئية والمسموعة اهتماماً أكبر بالكتابات الفكرية المحضة والنظرية والكتابات الفلسفية لازداد الاهتمام بها ولكبر حجم تلك الكتابات·
وثمة في الوطن العربي ما يمكن أن يسمى تخوفاً من التفكير الحر وتشككاً فيه، مما يضعف الميل لدى المفكرين الناقدين إلى التفكير بحرية· وفي أماكن وظروف مختلفة يقوم عداء أيضاً لهذا التفكير، وهذا العداء يضعف أو يقتل التفكير الحر أو يحبسه داخل صاحبه فيذوي ذلك الفكر تدريجياً ويتلاشى· وفي أماكن في الوطن العربي في أحيان غير قليلة يتعرض المفكرون الناقدون المستقلو الفكر الذين لديهم الجرأة على الإعراب الحر عن الفكر للمضايقة والملاحقة والأذى من الحرمان أو التجويع ولا يحظى التفكير بالتشجيع المادي والمعنوي الكافي، ولا يشجع العلماء والأدباء والشعراء والمفكرون والفنانون من رسامين ومغنين وموسيقيين التشجيع الكافي·
وقد ينشأ عالم أو أديب أو مفكر عظيم تكون له كتاباته الدالة على النبوغ والعبقرية والإبداع ويعيش ثم ينتقل إلى العالم الآخر دون أن يحظى بالاحترام الكافي أو التكريم الواجب أو الإقرار من جانب السلطات الحكومية وغير الحكومية وأفراد الشعب بقيمة علمه وفكره وعبقريته· ولكثرة المؤسسات الاجتماعية والعلمية والثقافية المستقلة الكائنة في الغرب يبدو أن هذه الظاهرة - ظاهرة إغفال الشخص المبدع - أقل شيوعاً في الغرب مما هي في أماكن أخرى تقل فيها هذه المؤسسات ويخضع ما هو كائن منها للسلطة الحكومية القوية المتحكمة· وليس من شأن هذا الإغفال أن يكون مشجعا لاعمال الملكة الفكرية النقدية·
وبالتالي من اللازم أن يزاد عدد المؤسسات الحكومية وغير الحكومية، ومنها وسائط الاتصال الجماهيري، التي يكون من مهامها تشجيع الإبداع والمبدعين في مجالات الأدب والعلم والفكر في الوطن العربي، ومن الطبيعي أن يشمل هذا التشجيع عنايتها بالكتابة والإعلان عن النتاجات الفنية والأدبية والعلمية والفكرية النقدية التي يقدمها المبدعون في شتى مراحل عطائهم الابداعي· اذ عن طريق الكتابة عن المبدع والمبدعة وعن نتاجاته ونتاجاتها وعن طريق إشاعة اسمه واسمها وعن طريق تشجيعه وتشجيعها المادي والمعنوي ينشأ لديه ولديها شعور أقوى بالاعتزاز والثقة بالنفس وبأنه يوجد تجاوب بين عالم أفكاره والمجتمع الذي حوله وبأن المجتمع يكافئه أدبياً ومادياً على مجهوده الفكري النقدي ويقدر عطاءه·

