يضم هذا الكتاب عدداً من المقالات التي تعالج مواضيع في شتى المجالات معالجة وصفية وتحليلية ونقية وتفكيكية.
أنت هنا
قراءة كتاب السلطة والحرية الفكرية والمجتمع
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية

السلطة والحرية الفكرية والمجتمع
الصفحة رقم: 10
ولقلة الاقبال على شراء الكتب وقراءتها فإن عدد النسخ من الكتاب المنشور في الوطن العربي محدود نسبياً· فمتوسط عدد النسخ من الكتاب، حسب بعض التقديرات، لا يتجاوز الألفين أو الثلاثة آلاف· ومن الواضح أن هذا العدد أقل كثيراً من العدد في الغرب، وهو أيضاً أقل من عدد النسخ التي كانت تباع من بعض الكتب العربية التي كانت تنشر في سنوات الأربعين والخمسين·
والقمع السياسي والكبت الاجتماعي من العوامل التي تسهم في قلة المواد المنشورة· فذلك القمع والكبت يكبلان الطاقات الفكرية للشخص العربي· فالمفكر العربي - أكان مؤلفاً أو محللاً أو عالماً أو أديباً أو شاعراً أو غير ذلك - يخاف على نفسه من انتقام السلطات والهيئات الاجتماعية من إعلانه عن آرائه في القضايا السياسية والاجتماعية والنفسية ومن توجيه النقد للمسؤولين عن الحالة السياسية والقومية والاجتماعية والاقتصادية والنفسية المزرية التي يعاني العالم العربي منها· ولذلك فإن كثيرين من المفكرين يلجمون أفواههم أو أقلامهم ويلوذون بالصمت المدوي أو بالأسلوب الهامس المخفف اللهجة الذي يسم بعض المواد المنشورة·
ومن هذه العوامل أيضاً نشوء الموقف الساخر لدى المفكر العربي· شاهد المفكرون والمثقفون أن السلطات الحكومية وغير الحكومية لم تراع مراعاة كافية مضامين المواد الداعية إلى الإصلاح الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والتعليمي اللازم· بل شاهدوا أن لهذه السلطات جداول أعمالها السياسية وأن الفجوة تزداد اتساعاً بين ما يدعو المفكرون إليه وما يدعو ذوو السلطة اليه ويعملون لتحقيقه رغم استمرار تردي الحالة السياسية والاقتصادية والثقافية· بل شاهد المفكرون والمثقفون أنه بدلاً من أن تشجعهم السلطات وتكافئهم على تناولهم للقضايا السياسية والاجتماعية تقوم بملاحقتهم والبطش فيهم رغم تشدقها بأنها تعمل من أجل تحقيق الإصلاح·
إزاء هذه الخلفية نشأ لدى قسم كبير من المفكرين حس بالسخرية تجلى في انكماش الحافز الذاتي على التصدي للتحديات القائمة والانسحاب من حلبة الكتابة والانزواء وفي ترديد الإشارة إلى ما يعتبره المفكرون لعبة كلامية يلعبها ذوو السلطة الرسمية وغير الرسمية، لعبة التشدق ورفع الشعارات دون التصدي الحقيقي لأصول الأزمة السياسية والقومية والثقافية التي يعيشها العرب· وإزاء هذه الخلفية أيضاً نشأ شعور لدى بعض الكتاب والمفكرين بعدم الجدوى من كتابة ونشر المواد لاعتقادهم بأنه ليس في مقدور تدبيج المقالات ووضع الكتب ونشرها إزالة الحالة العربية المتردية القائمة، وبأن إزالة هذه الحالة تتطلب علاجاً أقوى بكثير من نشر المقالات والكتب·

