يضم هذا الكتاب عدداً من المقالات التي تعالج مواضيع في شتى المجالات معالجة وصفية وتحليلية ونقية وتفكيكية.
أنت هنا
قراءة كتاب السلطة والحرية الفكرية والمجتمع
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية

السلطة والحرية الفكرية والمجتمع
الصفحة رقم: 8
وفي أحيان غير قليلة يضعف اتجاه الأسلوب اللفظي المجهود العلمي في الكتابات باللغة العربية· وقد يوجد بعض التسويغ لهذا الأسلوب في الكتابات الأدبية ولكن لا تسويغ لاستعماله في الكتابات العلمية التي نجد هذا الأسلوب مستعملا في بعضها·
لقد أهمل في مجتمعنا العربي قدر لا يستهان به من النتاجات العلمية والأدبية والفنية والفكرية النقدية المبدعة أو نسي أو علاه الغبار، مما أسهم إسهاماً ذا شأن في خيبة الأمل لدى بعض المبدعين أو لدى أشخاص كان يمكن أن يكونوا مبدعين وفي تباطؤ اندفاعهم الإبداعي·
وثمة سبب آخر لعدم إعمال العقل النقدي وهو أن العمل الحكومي وغير الحكومي بدوامته المتواصلة يشغل أصحاب العقول الذكية النابهة· منذ آلاف السنين استعملت أجهزة الدولة أصحاب الفكر استخداماً متفاوت الكثافة· وما يزال موظفون ذوو عقول قوية منغمسين في أعمال لا تقتضي أعمال الملكة العقلية المتوفرة لديهم أو لا تشجع على استعمال تلك الملكة أو تثني عن استعمالها· إن الجو السائد في العمل الحكومي على وجه الخصوص لا يشجع على ممارسة التفكير النقدي وهو يشجع أحياناً على التراخي الفكري والكسل الفكري· هذا العمل إذن يمكنه أن يكلف الشعب غالياً لأن ذلك العمل يثني عن استعمال ملكة الفكر النقدي الذي يحقق اكتشاف الحقائق الاجتماعية بالمعنى الأوسع والحقائق الطبيعية، وبالتالي يعود بالنفع على الشعب· ومرد القول أن العمل الحكومي لا يشجع على التفكير النقدي وأنه يشجع أحياناً على التراخي الفكري هو أنه لا يطلب من العامل الحكومي سوى تنفيذ سياسة وضعها كبار المسؤولين الحكوميين، ووجوب تحقيق أو تلبية طلب تنفيذ سياسة من السياسات لا يتفق مع الإبداع· وتنفيذ السياسة معناه أن السياسة قد وضعت وبالتالي لا حاجة إلى الإبداع الفكري لوضع السياسة، وقبول وظيفة تنفيذ السياسة معناه تسخير مقتضيات الابداع الفكري لمقتضيات أداء الدور السلبي، دور الملبي لمستلزمات قبول وتنفيذ السياسة التي وضعها الغير·
وبانفاق المفكرين المنخرطين في العمل الحكومي لمدة طويلة من حياتهم يفوتون على أنفسهم فرصة واحدة، فرصة العمر، فرصة ممارسة الانطلاق الفكري الإبداعي النقدي· وعلى هذا التفويت المقيت تصيب الندامة قسماً منهم· ونتيجة عن عملية نفسية يكون هذا التفويت أحد عواملها الرئيسية قد يناوئ قسم منهم نشوء مواهب إبداعية جديدة·
ويأمل ويطمع قسم من الناس، ومنهم مفكرون، لم ينخرطوا في العمل الحكومي بالاضطلاع بوظائف حكومية· هذا الأمل والطمع يجعلانهم يضعون حوافز الفكر النقدي الإبداعي في مرتبة دنيا حيال متطلبات العمل الحكومي؛ يجعلانهم يكيفون تفكيرهم ومواقفهم وسلوكهم، وهو التكييف الذي ينحو نحو زيادة احتمال شغلهم للمنصب الحكومي، وتكون هذه الزيادة على حساب الفكر النقدي أحياناً لأن اعتبارات شغل المنصب الحكومي تتعارض أحياناً مع الفكر المحلق الإبداعي·
واتجه معظم النشاط الفكري العربي إلى الجامعة· وفي الحياة الجامعية لا يوجد ما يكفي من المحفزات على إعمال الفكر النقدي· في سلك التعليم الجامعي يخضع مفكرون إلى حد لا يستهان به تفكيرهم لما يتفق مع سياسات وممارسات السلطة الحكومية للمحافظة على وظيفتهم ولترقيتهم· في المحيط الجامعي لا يشغل البحث والدراسة النقدية شطراً كبيراً من وقت الأستاذ· ولا يكافأ الأستاذ ما يستحقه من المكافأة على أبحاثه وفكره الاستكشافي· وأحياناً يعاقب الأستاذ على نتائج بحوثه· ولا يجري ما يكفي من التنافس بين الأساتذة على الترقية وتحقيق المنزلة العليا عن طريق إجراء البحث· وقد يتعرض باحث للهزء من زملائه إذا شاهدوا منه قدراً أكبر من المألوف من التفاني للبحث·
ورغم أن المفكر الناقد يمكنه أن يؤدي دوراً ايجابياً هاماً في حياة الشعب وتطور المجتمع فلا يوجد حتى اليوم دور محدد المعالم معترف به للمفكر وللفكر في المجتمع العربي·

