لم تكن لدي النية في الاصل لكتابة رواية، تعكس صورة الواقع في بغداد وبعض مدن أو غالبية مدن العراق، قبل العودة إلى يوميات اعتدت كتابتها، لغرض الإفادة من المكتوب فيها كشواهد إثبات تدعم وجهة نظري التي اروم وضعها في كتاب جديد أخذ عنوان (حصاد العاصفة ـ ثقافة التضا
أنت هنا
قراءة كتاب جراح الغابة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 2
- 1 -
خيالٌ أم شبح إنسان من الماضي البعيد، لا يمت إلى الحاضر بصلة، هذا الرجل المقبل بملابسه الرثة، وتقاسيم وجهه المعبرة عن قسوة السنين. طوله المفرط وجحوظ عينيه لافت للنظر، ووقع أقدامه الثقيل غير المتوازن على أرض الغابة يثير الريبة. توقفه المتكرر، بالتفاتة ناقصة إلى الخلف، يبقي الشك ماثلا في وجوده بهذا المكان، وفي سيره على الطريق النيسمي الضيق، وسط الأشجار والشجيرات والأحراش الكثيفة.
الطريق الذي يمر متعرجا بشكل غير نظامي، في غابة تمتد من الساحل حتى أطراف المدينة، مسافة تقترب من الخمسين كيلومترا. (دونكانسبي هيد) آخر نقطة مأهولة على مرتفعات الشمال الاسكوتلندي التي تغطى قمم جبالها الثلوج، أكثر من ستة شهور في السنة.
اقترب بحذر شديد، عيناه الجاحظتان مفتوحتان على الآخر. تراقب بتمعن لايخلو من حساب التحوط، الذي أصبح صفة تلازمه منذ أن قرر الهرب من نفسه، ومن عالم يعتقده مجنوناً. التحوط يساعد عقله المرتاب على الدوام، لتقدير المسافة التي يريد أن يبقيها آمنة بينه وبين الآخر الغريب. وقف في المواجهة حائرا، صامتا لا يتكلم، مصدوماً بالهيئة التي أمامه، وبالجسم الممدّد على العشب من دون حراك. يتنازعه الخوف من وجوده وسط الغابة، التي لا يمر في طرقها الوعرة غير الصيادين من أهل المنطقة، وموظفي الغابات المختصين بشؤونها، أو ربما يكون مستغربا من لون، وتقاسيم الوجه الشرقي الذي تفاجأ به، في منطقة لا يفكر أهل الشرق بالتقرب منها، سواء كانوا مهربي لاجئين إلى بريطانيا بلاد الأحلام، أو مستطرقين.
متشنجٌ، صنم يعود تاريخه إلى الأيام التي سبقت الاسلام بسنين. في وجهه العبوس بقايا سمرة تغطيها صفرة كونتها أمراض القهر بعمر الشباب، أو صاغتها غيابات الشمس التي لا تشرق هنا إلا بالمناسبات. يصعب الجزم والبت في الاسباب بمثل هذه المواقف المثيرة والعابرة، لأنها كثيرة ومتشعبة.
ما فائدة الجزم، وقد اختلطت جميعها في طريق الغربة الطويل، وأجوائها القاسية؟.
هذه الغربة التي يتشقق فيها الهارب من وطنه، مثل أرض العراق التي يبست وتشققت من شحة الماء. يقف كمن يتطلع من أعلى التل بيأس نافذ إلى العظم، لمنظر لا يريد له التكرار.