لم تكن لدي النية في الاصل لكتابة رواية، تعكس صورة الواقع في بغداد وبعض مدن أو غالبية مدن العراق، قبل العودة إلى يوميات اعتدت كتابتها، لغرض الإفادة من المكتوب فيها كشواهد إثبات تدعم وجهة نظري التي اروم وضعها في كتاب جديد أخذ عنوان (حصاد العاصفة ـ ثقافة التضا
أنت هنا
قراءة كتاب جراح الغابة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 3
القى السلام بلغة إنجليزية ممزوجة بلكنة أجنبية واضحة، وفي رد السلام باللغة نفسها، واللكنة تأكد أكثر من حدسه، أن صاحب الجسد الموجود أمامه عراقي على الأغلب. فتشجع في أن يتقدم خطوته الأخيرة، ليسأل بكلمات قليلة، وقبل أن يتلقى الاجابة التي أراد، أشار إلى انه سامر، عراقي من بغداد مهاجر يائس من الحياة، قذف به الحظ المنحوس خارج البلاد، ودفع به القدر المشؤوم إلى أن يكون في هذه المنطقة، يتجول تائها في غابتها التي عرف كل طرقها وأحراشها والوديان من كثرة المشي التائه فيها طوال أيام. الاطمئنان الذي لم يكن كافيا، أبقى نصفه الواعي قلقا، يتلفت يمينا وشمالاً، كمن فقد شيئا ثمينا في مشيه هذه المرة، أو تعرض لمطاردة رجال الهجرة الذين لا يقوى على التخلص من قبضتهم، إذا ما أرادوا ترحيله في الوقت الذي يشاؤون.
أخذ نفسا، أتكأ على جذع الشجرة في جلسته، حاول الظهور بمظهر السامع، القادر على التواصل، فلم يستمر طويلا، بعد أن شعر بتدافع الكلمات في ذاكرته المليئة بالانفعالات، فعرّج على موضوع النحس الذي رافقه، يوم مقتل عائلته ذبحا حتى وصوله إلى هذه البلاد التي أرادها مكانا جديدا، لأحلام من نوع آخر. وجد الجو ملائما للبوح بالمكبوت، فبدأه متسلسلا حسب تدافع الكلمات التي تحاول الخروج من دون سيطرة منه. تذكر بداية مشواره مائدة الافطار الأخيرة التي أعدت قبل الذبح، رمضانية خاصة، صنوف متعددة، أنجزتهـا الوالدة الدكتورة سامرة لكي يكون فطورا مميزا في اليوم الذي تبقى لهم في العامرية، بعد أن تأكدت من أن إيجار البيت الصغير في منطقة الجادرية أصبح واقعا، حققه الزوج سبيلا للخروج من دوامة الخوف التي تبتلعها وباقي أفراد الأسرة ليلا وفي النهار. الانتقال إليه متاح في صباح الغد الباكر. أملٌ انتظرته ثلاثة شهور متصلة، حسبت وقعها البطيء ثلاث سنين. لا تفكر ببيتها الذي ستتركه لمن يحتله، سواء كان مُهجرا من احدى مناطق بغداد، التي أستشرى فيها التهجير، أو (قفاص) يتصيد في هذه الأيام التي تصلح (للقفص) بأجوائها الملبدة بالهموم، ولا يهم إذا ما استخدم مقرا لإدارة أعمال الإرهاب المنظم، كأسوأ إحتمال.
لا تريد أن تَحسُب بقايا الاثاث الذي لا ينفع نقله إلى البيت الجديد خسارة. مشغولة فقط بإتمام المائدة كما أرادت أن تكون متميزة، لهذا اليوم الذي عدته وباقي أفراد الأسرة الأخير. ببيتها الذي أنشأته مملكة خاصة، قد تعود إليه بعد انقشاع الغيمة المؤقتة. تحمد الله وتشكره على تحقيق الأمل الذي أرادت. تُكَرر مع نفسها (هذا اليوم سننام جميعا بلا أرق من خشية العيش بالعامرية، وأيامنا في الجادرية ستكون بأمان. لن أقلق على البنات في الطريق إلى الجامعة، ولا على سامر حتى لو عاد إلى البيت بعد الساعة الثانية عشرة ليلا. الله كم هو جميل أن تتحقق الأحلام وسط عثرات الكوابيس).