في هذا الكتاب يقول الكاتب العراقي عبد الستار ناصر، يتمم كتابي السابق (سوق السراي) أجمع فيه شلّة رائعة من الشعراء والروائيين وكتّاب المذكرات.
أنت هنا
قراءة كتاب باب القشلة - كتابات في الرواية والشعر والمكان
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية

باب القشلة - كتابات في الرواية والشعر والمكان
الصفحة رقم: 6
وبرغم أن المؤلف هاجر مبكراً عن الوطن ولم يعش مأساة أية حرب مررنا بها·، إلاّ أنه استطاع أن يكتب عن الروح التي صلبوها على خشب النخيل وعن الجسد الذي ذبحوه على الساتر الترابي في الأرض الحرام، بل كتب عن مهازل النظام وشخوصه كما لو كان على مقربة منهم، لكنه خلط حابل هذا بنابل ذاك بدعوى الزمان الذي يختاره هو بنفسه وكذلك المكان الذي ما إن تمسك بخارطته حتى يتلاشى إلى محض ركام بين يديك، وعندما تسأل نفسك - أنت القارئ المطعون بقسوة الذكريات - عن سبب الكتابة بهذه الطريقة (المقلوبة، المشتتة، المعوجة) ترى المؤلف أول من يخبرك ان أحداثها تدور في زمن يمتلك منطقه الخاص مع أنك تعلم بحقيقة ما جرى وتدري أن المؤلف يعرف أيضاً بتسلسل وقائعها··· فهل صارت لعبة التفكيك صالحة لكل نوع من أنواع الكتابة؟
وفاضل العزاوي، كما هو معروف، صاحب تجربة رائعة ومثيرة في حقول الرواية والشعر والقصة القصيرة وبقية صنوف الابداع من نقد وسيناريو وترجمة، فهل يحق له أن يستخف بذاكرة المذابح والقتل والتهميش والاعتقالات العشوائية ليأتي ويرسمها بشكل كاريكاتوري مرة، أو على هيئة (وقائع مشكوك بها) مرة ثانية؟
أما عن رغبته في زيادة صفحات (الأسلاف) فهي عملية مكشوفة للقارئ حين يرى بنفسه عدم الحاجة إلى ذكر عشرات الأسماء ومئات التشعّبات، رسائل، وقصائد، وأغنيات شعبية، وأناشيد، وكتابات بلغة أجنبية، تأتي وتذهب دون أيّ مساس في هيكل الرواية الأساس، ومعذرة إذا تعمّدت هنا ذكر بعض من جاء على أسمائهم، أمثال كارل ماركس، ميلان كونديرا، فريد الأطرش، نيتشه، نابليون بونابرت، أم كلثوم، المغني العراقي أحمد الخليل، حافظ الشيرازي، لميعة توفيق، حضيري أبو عزيز، محمد القبانجي، جميل صدقي الزهاوي، مصطفى جواد، بهجت الأثري، فائق حسن، المنلوجست عزيز علي، محمد مهدي الجواهري، نزار قباني، الشاعر الكردي گوران، جواد سليم، خلف العريان، المصارع عدنان القيسي، الخطاط هاشم محمد البغدادي، حسين مردان، محمد صالح بحر العلوم، جان بول سارتر، وطرزان وعشرات غيرهم، دون أيما ضرورة لذكرهم، حتى أنك تقرأ اسم كل واحد منهم مرة واحدة فقط ثم ما من أثر له بعد ذلك في الرواية!
فهل نحتاج إلى مثل هذا (الحشو) الفائض حتى تصبح الرواية (253) صفحة؟ وماذا لو حذفنا إثنتين وخمسين صفحة مثلاً؟ أما نرى كيف يفعل النحات بقالب الطين، وكيف أنه يحفر فيه مئات الساعات ويرمي منه عشرات الكيلوغرامات حتى تصبح المنحوتة صالحة للاعجاب بها؟ لماذا لم يفعل فاضل العزاوي كما يفعل أي نحات كبير وهو الكاتب المبدع المتميز الذي كان وما يزال دوره في حياتنا الثقافية والمعرفية اشارة إلى غنى إبداعنا الممتد عميقاً في تربة العراق وحاضره؟
أنا شخصياً رأيتُ فيما سبق - من عمري - وما زلت أرى في فاضل العزاوي طاقة إبداعية لا يستهان بها، وعندما أقرأ له أتحسس الأرض التي يمشي عليها (هو) وأبطاله وأحاول كشف المستور عن رحلته العجائبية المشوقة بين القصائد والقصص القصيرة والروايات، فهذا الرجل بحق موسوعة من الدرجة الممتازة، لا يقارن إلاّ مع الكبار فقط من مبدعينا العرب·
ولأنني نادراً ما ينتابني الاعجاب بكاتب ما، سأقول في نهاية الأمر، إن رواية الأسلاف تستحق القراءة، كما تستحق الاحتفاظ بها بين رفوف تراثنا المجيد، لكنني في الوقت نفسه أحتاج إلى تذكيره بما يفعل النحات الشاطر مع قالب الطين·