في هذا الكتاب يقول الكاتب العراقي عبد الستار ناصر، يتمم كتابي السابق (سوق السراي) أجمع فيه شلّة رائعة من الشعراء والروائيين وكتّاب المذكرات.
أنت هنا
قراءة كتاب باب القشلة - كتابات في الرواية والشعر والمكان
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية

باب القشلة - كتابات في الرواية والشعر والمكان
الصفحة رقم: 10
حوّل نظرك بعيداً عن الرياح والغيوم،
كانت أمنيته الوحيدة أن يقلّد النجمات،
ويحدق أبداً في الشمس
هو ذا المهد الذي بكيت فيه·
والقصيدة على جانب من الطول، قال عنها (لوتسكندورف) الذي كتب اطروحة الدكتوراه عن أدب هرمان هسه، إنه ينبغي علينا أن ننقذ أنفسنا من أية أحكام تتأثر بالغوغاء، وأن نتخلّص من عدم الشعور بالمسؤولية، وكم نحن بحاجة إلى الشجاعة حتى نكتب ما نؤمن به خارج قوانين الضجيج وشراء الاغراءات·
يؤكد هرمان هسه أن فن الكذب والدبلوماسية من الأمور التي يحتاجها المبدع للاحتيال على النص والقارئ في وقت واحد، وعندما هرب من المعهد الذي يدرس فيه اللغة الاغريقية بحثوا عنه في الغابة طيلة يوم كامل، وأبلغوا الشرطة بما حدث (صفحة 77) بينما كان هرمان هسه مرعوباً من فكرة قضاء الليل في عراء الحقول تحت جو قارس البرد، لكن الكذب وتمثيل دور البريء، وكذلك اللعب على حبال الأعصاب، كل ذلك ساعده على أن يتحرر من سطوة الرقابة العائلية، عندما (كذب) عليهم جميعاً وقال إن ما جرى إنما حدث دون إرادته وربما دون وعيه، بل جاء من يُبرر الأمر على أنه -أي هرمان هسه - إنما يعتقد بتعاليم المذهب الكالفيني، وهذا يعني (حرفياً) أن القدر مرسوم على جبهة الإنسان منذ ولادته!
هرمان هسه هو الطفل السادس في عائلة يهيمن عليها الجدّ العجوز الذي يشبه السحرة، ينطق اللغات بخبرة عجيبة منذ السادسة عشرة من عمره، ومن هنا جاءت فصول مذكراته أو سيرته الجوّانية أكثر عمقاً وخصوصية من رجالات الفلسفة والفكر والأدباء الذين ولدوا في تلك الحقبة الساحرة من زمن المذهب (البرناسي) حيث انصب اهتمام المبدعين العظام على الشكل وجمالياته بعيداً عن العاطفة والمضمون، وبالتالي بعيداً عن الثقافة الجاهزة التي تخاف الاقتراب من التجريب والمغامرة، وهذا يعني كتابة المقالات التي تشبه (الساندويتش) حين يباع على الطرق الخارجية، رخيصاً، وجاهزاً، في أي وقت تشاء، وربما في أية لحظة تصل فيها إلى المحطة التي تنبعث منها روائح القهوة والغليون والسجائر والضجر!
هرمان هسه، واحد من عبقريات القرن العشرين، لا يشبه آرنست همنغواي ولا رومان رولان ولا أناتول فرانس ولا أندريه جيد ولا بوريس باسترناك ولا جون شتاينبك ولا بابلو نيرودا ولا كلود سيمون - مع أنهم جميعاً حازوا على جائزة نوبل - بل يتجاوزهم عقلاً وابداعاً وحضوراً قوياً، يكاد يصل بابداعه العظيم إلى مستوى جان بول سارتر وغارسيا ماركيز وجورج برناردشو وبرتراند رسل وصاموئيل بيكيت، وقد يسابق بعضهم في الروح والسحر وهجمة الابداع، والذي يثبت ذلك هو سيرته الذاتية التي وصل بها إلى مستوى الصمت الذي لا ينفع معه أيّ صراخ لاحق·
أظنني سأقول الحقيقة إذا ما قررتُ الآن، كيف أن هرمان هسه سيخاف حتى من نفسه لو أنه عاد ثانية إلى الحياة ورأى أمامه من يسمّى : هرمان هسه!!