الشرق الأوسط هو بالضبط، محور العالم القديم ومركزه، تمر به أقدم طرق التجارة العالمية وأحفلها بالأعمال، ويصل أوروبا وشمال أفريقيا بآسيا، كما يربط جنوب أفريقيا بمناطق الجنوب الآسيوي في أستراليا وجوارها.
أنت هنا
قراءة كتاب غلوب باشا جندي بين العرب
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 4
وفي عام 1930م، قررت حكومة شرقي الأردن وضع نهاية لمثل تلك الغارات ودَعَتْني لأداء هذه المهمة. وانتقلت إلى عمان في تشرين الثاني (نوفمبر) من ذلك العام، وكان أن وُفِّقنا إلى إنهاء غزوات البدو في شرقي الأردن، بمجرد اتخاذ تدبير واحد، هو استخدام رجال القبائل أنفسهم في إدارة مناطقهم، دون إطلاق رصاصة واحدة أو اعتقال أحد.
كانت آخر غارة بدوية قد شُنَّت في حزيران (يونيو) عام 1932م. وقد أنفقتُ تسع سنوات، هي أسعد أيام حياتي، بين عامي 1930م و 1939م كقائد لموقع البادية. وتكاد تكون مساحة شرقي الأردن في ثلاثة أرباعها، قفاراً صحراوية، مع أن عدد البدو من سكانها لا يتجاوز الخمسين ألفاً، كما أني شعرت بحب عميق لهذا الشعب الفقير، البسيط، وقامت لي معه أُلفة أصبحت أشعر بها كما لو كنتُ في بلدي وبين أهلي.
وكان الأردن بـجملته بين عامي 1932م و 1948م، في الحقيقة، من أسعد الأقطار الصغيرة في العالم. وعلى الرغم من الفقر والجدب فيه، والاضطرابات والانقلابات في البلدان المجاورة، والحرب العالمية، كان شرقي الأردن يبدو وكأنه يحيا حياة فاتنة تخلب الألباب، حتى سَرَتْ في أهله ثقة توشك أن تكون أسطورية، وكبرياء راسخ، بسعادة موطنهم، إذ لم يحدث طيلة ستة عشر عاماً، في شرقي الأردن ما هو سوء، أو يسير نحو سوء، مع حالة الاحتضار التي كان يعانيها العالم كله، ومع الانقلاب المستمر الذي كانت تجيش به الأقطار العربية المجاورة من حوله. وكثير من الشرقردنيين تنهدوا أمامي، قائلين: ((لقد كنا سعداء حتى عام 1948م!)) .
وعندما اضطلعتُ بأعباء قيادة الجيش العربي عام 1939م، وتعهدتُ للأمير عبدالله بأنني سأسلك منذ ذلك اليوم كما لو كنت شرقردنياً بالولادة، أخذ الثائرون من عرب فلسطين، في التغلغل إلى الجبال القائمة شمالي شرقي الأردن، وكانت تلك أول مناسبة اندلعت فيها مأساة المشكلة الفلسطينية بعنف في أوساط شرقي الأردن، رحنا منذ ذلك الحين ننغمس أعمق فأعمق، في حمأة البؤس، وسعير القنوط.
علينا قبل أن نمضي في سرد تلك المأساة، أن نلقي نظرةً سريعة على تاريخ المشكلة.
كانت فلسطين في عهد موسى، أي بنحوٍ من 1500 سنة قبل المسيح، آهلة بقوم ذوي ثقافة عالية نسبياً، وكان العابريون أو (العبرانيون) قبائل متخلفة، إذا قيسوا بغيرهم من شعوب ذلك الزمن، يتنقلون رحّلاً من مكان إلى مكان، وظل أمرهم كذلك، إلى أن عبروا نهر الأردن وغزوا فلسطين. والجدير بالذكر أن أبناء إسرائيل لا زالوا يوصفون حتى اليوم بأنهم يعيشون في الخيام، كما كانوا يوصفون في عهد سليمان وابنه رحبعام، مع أن الشعوب (الأصول) التي تفرعوا منها كانت تعيش في المدن قبل عهد إبراهيم. وعند وصول الإسرائيليين كان شعب فلسطين موزعاً، مفرقاً بين عديد القبائل من كنعانيين إلى حثيين إلى عزيزيين إلى جركسيين إلى عموريين ويبوسيين، إلى آخر ما هنالك من أسماء...
إننا لنخطئ حين نلصق بفلسطين التوراتية كصفات منتزعة من أفكارنا الحديثة في أوروبا الغربية عن جنسية شعوبها أو قوميتهم. والحقيقة هي أن الإسرائيليين كانوا مجموعة قبلية أخذت طريقها بالقوة إلى بقعة أغنى، وأرقى ثقافة وزراعة، واستقرت آخر الأمر فيها. وظل السكان الأصليون، بطبيعة الحال، حيث كانوا، واختلط بهم الغزاة وتزاوجوا على مرّ الزمن، وأصبح الفلسطينيون فيما بعد، هم العنصر السائد في السهول الساحلية.