الشرق الأوسط هو بالضبط، محور العالم القديم ومركزه، تمر به أقدم طرق التجارة العالمية وأحفلها بالأعمال، ويصل أوروبا وشمال أفريقيا بآسيا، كما يربط جنوب أفريقيا بمناطق الجنوب الآسيوي في أستراليا وجوارها.
أنت هنا
قراءة كتاب غلوب باشا جندي بين العرب
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 7
ورأى الصهاينة الفرصة سانحة في الحرب العالمية الأولى، فانتهزوها. وحين كانت الحكومة البريطانية مستغرقة كل الاستغراق في سير الحرب عام 1917م، وكان تفكيرها مضطرباً أهملت معه التثبت من الحقائق والوقائع، فقد أصدرت تحت وطأة ذلك الظرف الحرج تصريح بلفور المبهم في كلماته، وبه تقرر أنّ حكومة صاحب الجلالة ((تنظر بعطف)) (لا ((تقيم بالقوة)) ) ((إلى وطن قومي لليهود في فلسطين))؛ وكلمة ((قومي)) هنا ذات معنى، لأن اليهود ليسوا، بالمعنى المتعارف عليه. أمة، وإنما دين.
والفقرة الثانية من تصريح بلفور توضح الأولى: ((من المفهوم بوضوح أنه يجب ألا يقام بأي عملٍ من شانه أن يضر بالحقوق المدنية والدينية للطوائف غير اليهودية الموجودة في فلسطين)) .
وأياً كان المعنى الذي ترمي إليه الحكومة البريطانية من هذه الوثيقة المشوشة، فقد بلغ بها الصهاينة دون شك، ما أرادوا. وقد بيّن الدكتور ويزمن غرضها، وهو صهيوني معتدل لا يحمل أوهاماً، بقوله: ((أن تجعل من فلسطين يهودية كما هي إنجلترا إنجليزية)) .
ذلك – كما يرى القارئ – هو المفهوم العصري الأوروبي للأمة المتجانسة التي تعيش في قطر واحد، وهو مما لم يكن قط مفهوماً من مفاهيم الشرق الأوسط، ففلسطين لم تكن مأهولة بالإسرائيليين وحدهم، كما هي إنجلترا اليوم مأهولة بالإنجليز، حتى في عهد الملك داود، وهو العصر الذهبي للسلطة الإسرائيلية السياسية.
أما الصهاينة، فقد كان أمرهم لديهم واضحاً على أكمل وجه، كانوا واعين لما يحاولون أن يعملوه، وكان تحت تصرفهم من وسائل النشر والدعاية في جميع أنحاء العالم ما ليس في حوزة غيرهم، إذ اتخذوا من كل مقيم يهودي في كل بقعة من أديم الأرض، داعية لفكرتهم، وكان هدفهم منذ عام 1920م حتى عام 1929م إدخال أكبر عدد ممكن من اليهود، في فلسطين، ووجد البريطانيون أنفسهم، وقد ارتبكوا، وأُخرجوا من هدوئهم وتبلبل تفكيرهم، يحملون السلاح ضد العرب الذين ثاروا في وجه هذا السيل من الأجانب، إذ عاش عرب فلسطين ثلاث سنوات – بين عامي 1936م و 1939م – في حالة تمرد على حكومة الانتداب البريطاني.
هنا.. خلال هذا التمرد، تدفق الثائرون الفلسطينيون على شرقي الأردن في ربيع 1939م، أي في الوقت الذي تعهدت به للأمير عبدالله أن أعتبر نفسي منذ ذلك الزمن فصاعداً، من أبناء شرقي الأردن بالولادة.
كان كل فرد من أهل شرقي الأردن يتعاطف بعمق مع عرب فلسطين، غير أن الجيش العربي كان يطارد الثائرين الفلسطينيين اللاجئين إلى البلد ويخرجهم منها، دون تردد، فإذا كانت فلسطين سائرة إلى الدمار، فليس ثمة أدنى ربح في تدمير شرقي الأردن معها.