الشرق الأوسط هو بالضبط، محور العالم القديم ومركزه، تمر به أقدم طرق التجارة العالمية وأحفلها بالأعمال، ويصل أوروبا وشمال أفريقيا بآسيا، كما يربط جنوب أفريقيا بمناطق الجنوب الآسيوي في أستراليا وجوارها.
أنت هنا
قراءة كتاب غلوب باشا جندي بين العرب
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 9
حرب وسلم وإرهاب
كانت الثورة العربية في فلسطين قد أخذت تخبو، حين اضطلعتُ بقيادة الجيش العربي في نيسان عام 1939م. وكان زعيم تلك الثورة، أحد أفراد أسرة كبيرة من مُلاّك الأراضي في القدس، هو الحاج أمين الحسيني. والبريطانيون أنفسهم كانوا ممن بنوا، إلى حد كبير، مركز الحاج أمين ووطدوه أخيراً بتعيينه ((مفتياً)) للقدس، وهي الوظيفة التي تعني ضمنياً، زعامة المسلمين الدينية في فلسطين.
كان الحاج أمين زعيماً دينياً اسماً، ولكنه في الحقيقة سياسي متعصب. وهنالك في الأساس عدالة كبرى وراء القضية التي كان يخدمها، ألا وهي مقاومة مَحْو شعب فلسطين بالقوة المسلحة، ذلك الشعب الذي كان يعارض هجرة اليهود بالجملة إلى بلاده، وضد إرادة الأكثرية من سكانها.
كنت قد تزوجت في تشرين الثاني عام 1938م، في كنيسة بيروت الإنجليزية الصغيرة القائمة على شاطئ المتوسط الأزرق، وكان والدي قد توفي قبل ذلك بأشهر قليلة، وجاءت والدتي وحماتي، وعاشتا كلتاهما معنا، وقد رافقتانا معاً في شهر العسل.
كانت مونيخ قد مضت وانقضت، وظهر لي العالم، في عمان، كله موجة شاملة من الفرح، فقد كنت سعيداً بزواجي، وفي نيسان 1939م أصبحت قائد الجيش العربي، وبدا لي أن هذا القدر الكبير من السعادة شيء لا يصدق. وكان لدي حدس أنه لا يمكن أن يدوم؛ وفعلاً أقبل أيلول وبدأت الحرب العالمية الثانية، ثم وُلد مولودنا الأول في تشرين الأول، أي بعد شهر من بداية الحرب.
كان المرض في أسرتي يطابق غالباً حدوث كوارث في العالم الخارجي، فقد كانت زوجتي طريحة الداء في المستشفى، بين الحياة والموت، في الفترة التي اجتاح فيها الجيش الألماني بلجيكا وهولندا.
كنا بعد معركة العلمين، وحتى بعد إنزال الجيوش الحليفة في أوروبا، أحسن بكثير مما هي الحال في بريطانيا، فالقتال الفعلي ابتعد عنا، ونتيجة المعركة النهائية لم تعد موضع شك. لن نشعر بظلمة العالم خارج نفوسنا، ولن يكون لدينا تقنين، وكنا نشعر، في الواقع، بكثير من الخجل في نفوسنا، لما نحن عليه من رغد.
وما كاد العالم يبدو لنا باسماً من جديد، حتى حل بنا في الوقت ذاته، خطب عائلي: مات ابننا الثاني لحظة ولادته، ونُقلت زوجتي المريضة إلى منزلها، في مساء اليوم ذاته بعد الغداء. ولم تكن ثمة سهولة في شيء، حتى ليعسر الوصول إلى طبيب، وكانت التلفونات المحمومة التي وزعتها هنا وهناك قد أتت آخر الأمر بطبيب بريطاني. وبعد ساعتين جاءت سيارة متنقلة كبيرة تحمل جنديين من جنود البريد التابعين للجيش، حَمَلَتْها على نقالة إلى الحديقة، وحين بَلَغَت المستشفى الإيطالي أُدخلت رأساً إلى غرفة العمليات وأُعطيت مخدراً، ثم قُدِّم لي كرسي في الممر الخارجي، حيث يلمع نور شاحب، وكان بمستطاعي أن أسمع الهمسات في الغرفة، فجلست وفي قلبي رهبة باردة. راحت الهمسات تتكاثر هناك.. ثم فُتح الباب وانفلت منه الطبيب بمعطفه الأبيض، ونزع القناع عن فمه قائلاً: (كان على زوجتك أن تتخلص من حملها، وجاء الولد ميتاً. كان ذكراً)) واختفى ثانية في الغرفة.