الشرق الأوسط هو بالضبط، محور العالم القديم ومركزه، تمر به أقدم طرق التجارة العالمية وأحفلها بالأعمال، ويصل أوروبا وشمال أفريقيا بآسيا، كما يربط جنوب أفريقيا بمناطق الجنوب الآسيوي في أستراليا وجوارها.
أنت هنا
قراءة كتاب غلوب باشا جندي بين العرب
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 6
في سنة 70 للميلاد وقعت أورشليم في قبضة تيطس ودمرها، فكان أن ذبح عدداً من اليهود، ونفى آخرين وهرب الكثير منهم، وكانت آخر ثورة يهودية قد وقعت عام 135 للميلاد وأسفرت عن اضمحلال اليهود في فلسطين وتحولها إلى مقاطعة رومانية طيلة خمسة قرون، أي إلى أن فتحها العرب عام 636 للميلاد.
وعندما اعتنقت الإمبراطورية الرومانية النصرانية، تَنَصَّرت معها فلسطين، وبعد الفتح العربي، تحول القسم الأكبر من سكانها بالتدريج إلى اعتناق الإسلام، وظلت فيها أقلية نصرانية إلى يومنا هذا.
هذه الوقائع كانت مجهولة لدى جمهور الناس في بريطانيا وأمريكا سنة 1917م. وكانت معرفة الناس بفلسطين مقتصرة إلى حد بعيد، على دراسة التوراة. وروايات التوراة تنتهي قبل سقوط أورشليم عام 70 ب.م. ومنذ كان تدريس التاريخ في إنجلترا، إلى خمسين سنة خلت، يبدأ في عام 1066م، فإن كثيراً من الناس كانوا يجهلون تاريخ فلسطين جهلاً مطبقاً منذ سنة 60 بعد ميلاد المسيح إلى الأزمنة الأخيرة، وقليلون هم الذين يدركون أن فلسطين انقطعت عن أن تكون أرض اليهود منذ تسعة عشر قرناً، وهي في الحقيقة لم تكن يوماً من الأيام مأهولة باليهود وحدهم.
لقد تعارف أبناء أوروبا الغربية على مفهوم البلد الواحد المأهول بعنصر واحد، كفرنسا وإنجلترا، ولكن هذا العرف لم يسبق له قط أن انطبق على أوضاع الشرق الأوسط وشؤونه، حيث نجد أن بقعة واحدة من الأرض، تكون في الأعم الأغلب، قد اقتُسِمت بين عدد من الفئات والديانات والطوائف المختلفة، وأن لكل واحدة من هذه الفئات ميزاتها وعلاماتها الفارقة، ولها حقوقها الخاصة وشرائعها ومدارسها وقضاتها وزعماؤها، وهذا الوضع أصبح – تاريخياً – هو القاعدة، ولم يعد شاذاً بحال من الأحوال، وإن كان غريباً كل الغرابة، عن أمم أوروبا الحديثة.
أعتقدُ أن كثيراً من البريطانيين كانوا يتصورون أن فلسطين عام 1917م كانت لم تزل أرض اليهود، ولم يحدث لهم قط أن خالجهم شك في أن الأكثرية الكبرى من شعبها تعتنق اليهودية. ولا ريب أنهم كانوا يشعرون بالدهشة حين يسمعون أن اليهود يشكلون سبعة بالمئة من مجموع السكان، وأن الثلاثة والتسعين بالمئة الباقين هم من المسلمين والنصارى.
وهنالك توهم آخر سرى وتغلّب، نشأ عن عدم التحديد في استعمال كلمة ((عربي)) ، أدخل في روع الناس أن سكان فلسطين من غير اليهود، إنما هم بدو رحل قدِموا إليها من الصحراء.
((لماذا لا يرجع العرب إلى صحرائهم؟)) ذلك هو السؤال الذي كان يتردد على الألسنة! والحقيقة أن فلسطين كانت دوماً بوتقة تمتزج فيها عدة عناصر وبها تنصهر، لقربها من نقطة الاتصال بين أوروبا وآسيا وأفريقيا. و ((عرب)) فلسطين هم المنحدرون من الفلسطينيين الأوائل، والكنعانيين، وسائر القبائل التي مرت بهذه المنطقة منذ ثلاثة آلاف سنة، من إغريق ورومان ويهود تنصروا، وعرب وصليبيين ومغول وأتراك، وقد أفضى تكلمهم العربية، وتأثر معظمهم بالثقافة الإسلامية في المرتبة الأولى، إلى اعتبارهم ((عُرباً)) .
عندما أصبحت فكرة وطن ((قومي)) لليهود موضع نظر، ومثار جدل في نهاية القرن التاسع عشر، طُرحت عدة اقتراحات حول المكان الذي يقوم فيه ذلك الوطن، وورد اسم ((كينيا)) فيما ورد منها. غير أن فلسطين هي التي اتفق على أنها المكان الذي يقبل به اليهود جميعهم، ويتساوون في قبوله. ولكن فلسطين كانت مأهولة، والإمبراطورية التركية لم تظهر حماسة شديدة لعودة اليهود، وإن كان ثمة عدد من المستعمرات سبق أن أُقيمت قبل عام 1914م.