الشرق الأوسط هو بالضبط، محور العالم القديم ومركزه، تمر به أقدم طرق التجارة العالمية وأحفلها بالأعمال، ويصل أوروبا وشمال أفريقيا بآسيا، كما يربط جنوب أفريقيا بمناطق الجنوب الآسيوي في أستراليا وجوارها.
أنت هنا
قراءة كتاب غلوب باشا جندي بين العرب
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 5
وحدث أخيراً أن تخربت مملكة إسرائيل على يد الآشوريين، وسيق شعبها مأسوراً عام 722 قبل ميلاد المسيح، إلى بلاد ما بين النهرين (العراق)، وعاشت بعدها مملكة يهوذا قرابة 136 سنة، إلى أن أتت عليها جحافل بابل عام 586 قبل ميلاد المسيح، ومحقتها. ومن المؤرخين من يعتقد أن القبائل العبرانية أقامت في سلام مع السكان الأصليين وتزوجت منهم، إلى أن وقعت يهوذا في الأسر وسُبيت عن بَكرة أبيها. غير أن عدداً من أهالي يهوذا رجعوا بعد ستين سنة من منفاهم، وما بقي من القبائل من غير يهوذا، استقر في العراق، حيث عاش قسم منهم في طائفة منفصلة يمارسون حياتهم كيهود، بينما امتزج القسم الآخر بالشعب العراقي وذاب وجوده فيه.
أما أبناء قبيلة يهوذا الذين رجعوا من بابل، فإنهم هم الذين وضعوا أساس ((الانفصالية اليهودية)) ، وشجبوا كل امتزاج ببقية العناصر التي تتألف منها قبائل فلسطين، وراحوا يغذون في نفوس رفاقهم (دُعوا فيما بعد ((اليهود)) ، نسبةً إلى قبيلة يهوذا) ذلك الاستعلاء الذي مكنهم من الاحتفاظ بـ ((تقاليدهم الغريبة)) الخاصة منذ قديم الزمن إلى يومنا هذا. ومنذ ذلك الزمن تنازعت العالم اليهودي نزعتان تتعارضان، وقسمتاه إلى فريقين: الأول ذلك الكوزموبوليتي، الأممي، الموصوف بليبراليته وتسامحه وعلو ثقافته، والثاني ذلك المنعزل، المنفرد الذي يعارض الاختلاط بالأجانب الغريبين عن ملته.
في عام 332 قبل الميلاد فتح الإسكندر فلسطين وأقام فيها عدداً من المستعمرات الإغريقية، وبدأت الثقافة الإغريقية، منذ ذلك الحين، تلعب دوراً رئيساً في فلسطين، إلى أن تهدم الهيكل عام 70 بعد ميلاد المسيح. ولم تكن البلاد قط يهودية بأكملها، فالسهل الساحلي كان بجملته مأهولاً بغير اليهود، ثم بالإغريق، ومن بعدهم بالرومان. والجليل يشير إليه العهد الجديد (الإنجيل) بوصفه ((جليل الغرباء)) . ولم يكن لليهود من سلطة عليا إلا في القدس وجوارها ولا يغيبنّ عن بالنا أن سيدنا المسيح، لم يشعر بالخطر عندما أُثير اليهود ضده، وأُلِّبوا عليه، إلا في أورشليم، بينما كان في جو الجليل الكوزموبوليتي، المتحرر، سليماً، مطمئناً. أما الريف الجبلي القائم شمال أورشليم، فقد كان مأهولاً بالسامريين الذين يضمر لهم اليهود أمرّ البغضاء والعداوة.
((يجب علينا، في الحقيقة، ألا ننظر إلى يهود تلك الأيام كما ننظر إلى يهود أوروبا في العصور الوسطى، أي ألا نرى فيهم شعباً وادعاً يكره الحرب ويأنس بالهدوء والبطالة، وينصرف إلى تحصيل المال. فإن السياسة التي سارت عليها الإمبراطورية الرومانية المسيحية هي التي حالت بين اليهود ومهنة الأسلحة، وهي التي أنتجت ((النموذج)) العادي المتعارف عليه في العصور الحديثة، للكائن اليهودي. إن يهود فلسطين في القرن الثاني قبل ميلاد المسيح لم يكونوا متميزين بأي استعداد للتجارة والشؤون المالية، وإننا لنجد رجلاً مثل يوسيفوس، يكتب في أواخر القرن الأول للميلاد العبارة الآتية: ((لسنا شعباً تجارياً)) . لقد كان اليهود منصرفين في فلسطين، إلى الأعمال الزراعية وتربية المواشي، في المرتبة الأولى، كما كان القُوَّاد في البلدان الأخرى يسعون في طلبهم باعتبارهم جنوداً صالحين، وإننا لنسمع عن حامية يهودية في مصر العليا، في القرن الخامس قبل الميلاد، والبطالسة وضعوا حراساً من اليهود على الأراضي وقت الحصاد في مختلف أقسام البلاد، وكذلك فعل أنطيوخوس الثالث في آسيا الصغرى(1))) .
وفي غضون تلك المدة، كان اليهود قد انتشروا في جميع أنحاء العالم، حيث استقر منهم عدد وافر في العراق بعد السبي استقراراً نهائياً، واستوطن مصر منهم جماعة اشتهرت بثرائها وتكاثرها، وقد ادعى أحد المؤرخين واسمه ((فيلو)) أن عدد اليهود في مصر بلغ المليون في عهد الإمبراطور الروماني ((قليقولا)) ؛ ويبدو أننا لا يمكن أن نعزو تشتت اليهود إلى تهديم أورشليم على يد ((تيطس)) ، فقد ورد في بيانات مبعوثي القديس ((بولس)) أثناء رحلاتهم التبشيرية ما يفيد بوجود طوائف يهودية في مدن آسيا الصغرى، وبلاد اليونان، وروما.