أنت هنا

قراءة كتاب الصدى

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الصدى

الصدى

المجموعة القصصية "الصدى" للكاتب محمد زكريا الزعيم، يقول في مقدمتها:

تقييمك:
1
Average: 1 (1 vote)
الصفحة رقم: 3

لا تنظر إلى القول

لا تنظر إلى القول ولكن انظر من يقول
صوت الحياة
درج صناع الكلام من خطباء وأدباء ومتكلمين ، أن يغزلوا الكَلِمَ وينسجوا الخطاب ليصبح أكثر جذباً للأسماع ، وأكثر تأثيراً في الألباب .
وكانوا في سبيل ذلك يتأنقون في اختيار اللفظ وتأليف الجمل ويلهثون وراء الأفصح والأكمل والأجمل ، فيولون الجانب البلاغي كل الاهتمام دون اكتراث بالجانب النفسي والحالة الشعورية للمتكلم والمتلقي على السواء .
ومازال الأمر كذلك حتى سئمت الأسماع الإنشاء وأهله ، واشمأزت الآذان من التشدّق بالكلام ، والتقعّر بالبيان ، والتعالي بالخطاب وكرهت النفوس منابر الخطابة ومناضد الكلام ، وزهدت في الاستماع إلى أرباب البيان وفرسان الكلام .
فما عادت الكلمة تصدر عن نفسٍ توّاقة وشعور صادق .
والكلمة إذا لم تخرج من القلب هيهات أن تدخل في القلب .
والخطاب إذا لم يكن على قدّ صاحبه ، يحمل أفكاره ، ويترجم مواقفه ، ويبث لواعجه فليس له في النفوس من وقع ، وليس لصداه من أثر ! . ويصبح عاراً على الناطق به فإذا به يصغر في الأنظار ، ويسقط من الأعين ، ويصبح عرضة للهزء والسخرية والتنذّر .
فماذا لو أن جباناً يتكلم عن البطولة والشجاعة ، وقوّاداً يحاضر عن الشرف والحصانة ولصّاً يتشدّق بالقيم والأصالة ؟ !
فلا شك بأن كلّ سامع سيهتف بهزءٍ ويصفِّق بسخرية مشيراً إلى الخطيب بأصابع الإدانة والاتهام إنّه كذّاب ، إنه متحذلق ، إنه متفاصح ، إنه تاجر كلام وبائع قيم ! .
ثم يضع أنامله في أذنيه ويستغشي ثيابه ويمضي في سبيله لا يلوي على شيء . .

من كان نعلاً

من كان نعلاً فلا يفخرن بالقدم التي تنتعله
صوت الحياة
إن ما يحقّ للإنسان أن يفخر به حقّاً ما كان نابعاً من ذاته ، متفجّراً من أغوار نفسه وليس ما كان خارجاً عنه يهبُّ عليه من كل جانب ، ويَتنزّل عليه من كل شاهق ! . والعاقل الفطن من يرتدُّ إلى مخبآت نفسه فيبحث عما فيها من كنوز المعارف وما تتحلى به من غرر الشمائل وليس بغير هذا يرسم صورة نفسه ويحدّد ملامح شخصيته وإلا سيغدو المرء ظلاً لا هيئة له يتشكل مع كل صورة ، ونعلاً فضفاضاً يتَّسع لكل قدم ، ولن يشفع له ما يصيبه من حظوظ دهره كجاهٍ يناله أو ثراء ينعم به أو منزلةٍ يتبوأ مقعدها .
لذلك هيهات أن يقع حسد الحساد أو تتجه غبطة الأصحاب إلا على ما كان زينة ً للذات وحِلْيَةً للنفس من فرائد الشمائل أو نفيس الطبائع أما ما يتساقط على النفس من سحائب الحظّ وإقبال الدهر فلا يبلغ تلك الحدة من سورة الحسّاد وغيظ الشانئين لأنهم يدركون تماماً أنه لا يد للنفس فيها ، ولا فضل للذات بها .
ومتى أنكر المرء هذه الحقيقة الناصعة ، وأبي الرحلة إلى داخل ذاته تولدت عنده عقد النقص وأدواء الصَّغار فإذا به يبحث عن الكمال في نسب شريف ، أو ثراء وفير ، أو جاه عريض ولكن هيهات هيهات أن يشفع له كلّ هذا ، ومحال أن تقرّ العين بشيء من ذلك ، لأن صاحبها قد ضلَّ عن الطريق وتاه عن فطانِّ ما هو مدعاة للتفاخر فإذا هو ذنبٌ لكل تابع ، ومرتسم لكل صورة ، وخيال لكل حقيقة فما أهون من كان بوقاً يردد كل نداء ، وصدى يصدر عن كل صوت وليس كالحياة شاهد عدل وبينة واضحة على ما نقول . فهذا تاريخ الحضارة لا يقرُّ بالخلود إلا لمن كان عصامياً سيرته حياكة من نسج يده ، وإنجازه ثمرة من نفسه ، وجوده هبةٌ من ذاته .
فمن أعرض عن هذه الحقيقة وأمسى يفاخر بما ليس منه فسيكون حاله نعلاً يفاخر بالقدم التي تنتعله .
 

الصفحات