المجموعة القصصية "الصدى" للكاتب محمد زكريا الزعيم، يقول في مقدمتها:
أنت هنا
قراءة كتاب الصدى
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
الصدى
ولادات متعددة
لا شيخوخة لنفس تثريها التجارب
صوت الحياة
يطل الإنسان على الوجود مرة واحدة في ولادة وحيدة فريدة لا تتكرر ، تنقله من العدم إلى الوجود ، ومن رحم الأم إلى حضن الأرض ، تلك هي ولادة الجسد ! .
ولكن النفس الحكيمة ، تأنف تلك الولادة اليتيمة التي يقف دورها على تلك النقلة المألوفة المعتادة ، فهي لا تقبل بولادة قاصرة كل ما في طوقها ، بثّ الروح وبعث الحياة ، لأنها تدرك أن حياةً متعددة الجوانب ، متنوعة الأنشطة ، تحتاج إلى بعث جديد ، وولادة متكررة عند كل فجر ، وإثر كل واقعة ، وفي منعطف كل حدث ! وذلك للتأمل واستخلاص العبر وتقليب الأمر على كل الوجوه ، والنظر إليه من مختلف الزوايا .
فكما تنتقل الطبيعة من خريف إلى شتاء إلى ربيع فصيف ، ينبغي للنفس أن تنتقل من اختبار إلى عبرة ، ومن تجربة إلى اتِّعاظ ، ومن قضاء إلى اعتبار ، فتتخذ من كل واقعة درساً ، ومن كل ذكرى موعظة ، ومن كل نازلة ثراء ! .
فالعاقل من يعيد تنظيم ذاكرته من حين إلى لآخر ، ولا سيما في موسم النفس حيث ينضّد خبراته في واعيته كما ينضّد كتبه ، وينسّق مشاعره في صدره كما ينسق أزاهره ، ثم يضيء بصيرته من مزود التجارب وكنانة العبر ومستجدات التجارب ، فلا يسكره نجاح ولا يفتُّ في عضده خطب ولا إخفاق !
ولا يكن كلُّ حظه من الدنيا فرحاً أو مسرة ، يأساً أو وحشة بل درساً وعبرة ، وموعظة وخبرة .
بذلك يرتقي المرء ، ويصبح قادراً أن يعلو على الحزن والفرح ، والألم والغبطة ، ويستوي على صهوة الحياة في الإقبال والإدبار ، فما أخسر ذلك الذي لا يتجدد مع كلّ سحر ، ولا ينشط مع كل فجر ،فإنه سيغدو لا محالة بحيرة آسنة أو مستنقعاً نتناً . .