المجموعة القصصية "الصدى" للكاتب محمد زكريا الزعيم، يقول في مقدمتها:
أنت هنا
قراءة كتاب الصدى
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
الصدى
الجود بالنفس
يجود بالنفس إن ضنَّ البخيل بها الجود بالنفس أقصى غاية الجود
أبو تمام
الكرم تاج الفضائل وذروة المكارم ، والجود بالنفس أقصى غاية الجود وأعظم أنواع العطاء لأنه جود بأنفس وأغلى ما يملك الإنسان ، وهل لدى الإنسان ما هو أغلى من روحه التي هي سر وجوده ؟
وقد عُدّ الجود من أعظم الفضائل لأن فيه معنى الإيثار ، وفي الإيثار تكمن معاني المحبة وتستتر كل مشاعر الوداد فهيهات أن تؤثر أحداً على نفسك إذا لم تكن تحبه ويكون له في ودِّك نصيب .
لهذا السبب كان الشهيد عظيماً إنه يحب أمته ووطنه حباً شديداً لذلك آثرهما بروحه الطاهرة التي هي أغلى ما لديه ، على حين قد يضنُّ سواه بأبخس الأشياء وأرخص المتاع ! .
ألا يستحق الشهيد ـ بعد هذا ـ الإجلال والإكبار ، والحياة والخلود ؟
فهو حي في السماء ، وحي في الأرض .
حي في السماء لأنه يرتع في الجنان في كنف الرحمن .
وهي حي في الأرض بخلود ذكره ، وعطر سيرته ، فإن ذكره يشرِّف الألسنة ويعطر المجالس ويبعث في القلوب هيبة وفي العيون عِبرة وعَبرة .
ليس الشهيد ذكرى عطرة وسيرة مقدسة فحسب ، بل هو منارة تهدي الأشبال إلى طريق التضحية والفداء ، ومعلِّم يعلّم الأجيال مكرمة الجود والإيثار . وحسبه فخراً أن تعاليمه أوقع في القلوب وأشدُّ تأثيراً في النفوس ، لأنه قرن القول بالعمل ، والمبدأ بالسلوك مترفّعاً عما يفعله سواه ممَّن يطلقون الشعارات الجوفاء التي تحملُ معاني البطولة والنضال ولكنّها تخلو من مكرمة الإخلاص وفضيلة الصدق
شعارات عظيمة سامية غير أنهم اتخذوها أدوات صيدٍ وشباك قنص ! !
ألا يستحق الشهيد منا نظير ما جادت به كفاه ، وما آثر به أمته أن نطأطئ له الرؤوس ، ونحني له الهامات ونكرمه حقَّ الإكرام ونُجِلَّه كلَّ الإجلال ؟
أليس الأجدر بنا أن يكون لنا في السماء أسوة حسنة فنكرمه كما أكرمته ، ونرفع مقامه كما رفعته ؟
وليس تكريم الشهيد بإقامة التماثيل تخليداً لذكراه أو تطويق عنقه بغُرَر المدائح ، وأبكار المعاني وفرائد الأبيات ، بل باقتفاء أثره ومحاكاة سيرته ، بل باستلام الراية وحمل الأمانة التي أشفقت من حملها الجبال ! بل بالثأر له والانتقام للرسالة السامية التي استشهد في سبيلها والهدف النبيل الذي ناضل دونه ، والقيم العظيمة التي دافع عنها .
بوركت أيها الشهيد ! فحسبك فخراً أنك ذدت عما فيه شرف الأمة وكرامتها !
لقد دافعت عن الحمى ، وناضلت دون الدين والقيم وحميت الثغور والأمصار ، ورشفت كأس الموت لتوهب لنا الحياة ، فأنت أنت من أدرك أن الشرف لا يتطهر إلا بالدماء فلك كل الحب والإجلال والوفاء !