تحيل الإشكالات التي يعالجها هذا الكتاب على المجالات التالية: علم النفس المعرفي (Cognitive psychology) واللسانيات والفلسفة. والنواة المركزية التي تحوم حولها هذه الإشكالات كلها يلخصها سؤال هام هو: ما طبيعة الفكر؟.
أنت هنا
قراءة كتاب اللغة والفكر وفلسفة الذهن
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 3
تندرج المعالجة التي يقترحها المعهد لسؤال الفكر في سياقٍ عام تتحكم فيه مقتضيات ما أصبح يعرف في تاريخ الفلسفة بالانعطاف اللغوي (Linguistic turn) أو ما يعبر عنه أحياناً بأنموذج اللغة (أنظر آبل (1977) وهابرماس (1988ب) (في شأن الفروق القائمة بين أنموذج الأنطلوجيا وأنموذج الشعود وأنموذج اللغة)، غير أن اندراج هذه المعالجة ضمن أنموذج اللغة لا يعني خلوها أو انفصالها التام عن دعاوى نظرية المعرفة المتصلة بفلسفة الذهن الديارتية أو ما يعرف عند آبل وهابرماس بأنموذج الشعور.
فعندما نتأمل أطروحات المعهد نجدها مشدودة إلى التسليم بوجود حيز فطري قائم في الذهن يلعب دوراً أساسياً في اكتساب المعارف؛ ونجدها تتحدث عن هذا الحيز بوصفه نسقاً من التمثيلات الداخلية؛ ونجدها، في نهاية المطاف في الاكتساب على عكس ما تفعل النزعات التجريبية كالسلوكية وغيرها.
وهذه المواقف هي عينها المواقف التي نلاقيها في فلسفة الذهن الديكارتيه القائمة وراء أنموذج الشعور. فديكارت انطلق من موقف فطري، وبنى نظرية تمثيلية للذهن، وخالف النزعات التجريبية مخالفة جذرية.
لا نريد أن نسلك مسلكاً قرائياً همه الوحيد البحث عن التشابه في تقاليد الفكر المختلفة، سعياً وراء اطمئنان كاذب أو دفاعاً عن ليس في الإمكان أبدع مما كان. سنحاول أن نبرز اختلافات لا تقبل المصالحة قائمة وراء هذا التشابه. وسنبين بعد ذلك الحد الذي، إذا انتــُهك، تتحول معه النزعة الذهنية للمعهد إلى صيغة من صيغ نظرية المعرفة المتصلة بأنموذج الشعور.
لقد انطلق ديكارت من تصور ثنوي يقضي بأن الذهن جوهر مخالف لجوهر الجسد. ودافع عن رأي مفاده أن الذهن هو الشيء الوحيد الذي تستطيع الذات العارفة (المفكرة) بلوغه بلوغاً إبستملوجياً حقيقياً. وقد عبّر عن هذا الرأي (وهو بالمناسبة الرأي الذي بنيت عليه نظرية المعرفة عنده) بوضوح تام حينما قال: ليس هناك شيء أسهل علي من معرفة ذهني (أنظر ديكارت "1979: 95"). ويرجع يُسر الوصول معرفياً إلى الذهن، في نظره، إلى تلكم العلاقة الخصوصية (الحميمية) التي تقيمها الذات المفكرة بنفسها. فبمقتضى هذه العلاقة (التي تعد استبطانية من الوجهة النفسية) تستطيع الذات المفكرة الوصول إلى حيِّز التمثيلات الداخلي على نحو جذري؛ لأن هذا الحيِّز بعد، من جهة، منتمياً انتماءً كلياً إلى الذات؛ ويعد، من جهة أخرى، سابقاً على عالم الموضوعات المتمثــّلة.