أنت هنا

قراءة كتاب اللغة والفكر وفلسفة الذهن

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
اللغة والفكر وفلسفة الذهن

اللغة والفكر وفلسفة الذهن

تحيل الإشكالات التي يعالجها هذا الكتاب على المجالات التالية: علم النفس المعرفي (Cognitive psychology) واللسانيات والفلسفة. والنواة المركزية التي تحوم حولها هذه الإشكالات كلها يلخصها سؤال هام هو: ما طبيعة الفكر؟.

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 4
إن المعهد عندما يتحدث عن الذهن وعن التمثيلات الداخلية فإنه لا يفعل ذلك من منطلق ثنوي كما فعل ديكارت؛ بل ينطلق من نزعة مادية أو فيزيائية صريحة لا تضع حداً فاصلاً بين الذهن والجسد. فالمعهد يعلن دون لف أو دوران أننا كائنات مادية أو فيزيائية في عالم فيزيائي. وقد سمى فودور (1975: 12) النزعة المعبّر عنها في هذا الإعلان بـ فيزيائية الحدث (Token Physicalism)، وأطلق عليها بوتنم (1980: 794) لقب الأطروحة الأولى للنزعة المادية. ويُعد هذا الإعلان كافياً لإخراج برنامج المعهد من دائرة الثنوية المحركة للبرنامج الديكارتي.
 
أما عندما يرفض المعهد ما يسميه فودور بـ فيزيائية النمط (Type Physicalism) أو ما يسميه بوتنم بـ الأطروحة الثانية للنزعة المادية القائلة: إن خصائصنا الذهنية خصائص فيزيائية؛ فإنه يرفضها لدرء صيغة اختزالية متطرفة وليس للإقرار بوجود جوهر، هو الذهن، مستقل عن الجسد. والحجة التي تدعم هذا الرفض حجة فيزيائية في كنهها، تبلورت في نطاق الإعلاميات النظرية وبرمجة الحواسيب، لا علاقة لها بالحجج الميتافيزيقية التي عرضها ديكارت ببلاغة أخــَّاذة في كتاب التأملات (أنظر على الخصوص "التأمل الثاني" ضمن ديكارت (1979: 77-95)).
 
إن ما يميز افتراضات المعهد حول الذهن عن افتراضات ديكارت قائم في كونها افتراضات آلية محضة لا تقول بإمكان بلوغ ما يجري في الذهن عن طريق الاستبطان (أنظر في هذا الشأن دينيت (281:1987)). وإذا جاز لنا أن نستفز ديكارت في هذا الخصوص فإننا نقول: ليس هناك شيء أصعب، بالنسبة إلى المعهد، من معرفة الذهن؛ لأن الأشياء، في اعتقاد أقطابه، لا تحصل البتة في مسرح الشعور، كما توهم ديكارت، بل تجري وتعتمل في كواليسه إذا حسُن التعبير. وتحديد جريان الأشياء واعتمالها في الكواليس يعد، في نظر المعهد، أمراً تجريبياً خالصاً.
 
لنقف قليلاً عند هذه النقطة حتى تبين. يكون الإنسان، حسب المعهد، إزاء موقف قضوي (أي يكون قاصداً شيئاً أو راغباً في / عن شيء... الخ) عندما يكون ذا علاقة بتمثيل داخلي محددة تحديداً حاسوبياً (Computationally determined). فالقصد والرغبة والاعتقاد وغيرها من الحالات الذهنية أو النفسية (أو ما يسميه راسل بالمواقف القضوية) تعد في نظر المعهد علاقات حاسوبية تربط بين الأجهزة العضوية والتمثيلات. وعندما يذهب المعهد هذا المذهب في تفسير الحالات الذهنية فإنه لا يطون بصدده تجديد مذهب ديكارت بشأن تخصيص الذهن والإجابة عن سؤال الفكر. فالحكم بذلك كان سيكون ممكناً لو أن المعهد أسند، فعلاً، إلى الذهن الأهمية الميتافيزيقية نفسها التي كان يسندها إليه ديكارت. لكن، بما أن هذا الأمر غير وارد، بمقتضى النزعة الفيزيائية للذهن ولحالاته _كالقصد والرغبة... الخ) يغدو أمراً تجريبياً خالصاً، أي عديم الفائدة من الوجهة الميتافيزيقية التي تصدر عنها نظرية المعرفة المتصلة بأنموذج الشعور. يقول فودور (47:1975): أُلحُّ على أن المسألة المتصلة بمعرفة ما إذا كانت العمليات النفسية عمليات حاسوبية أو لا، مسألة تجريبية. ويترتب على هذا أن الأمور المتصلة بالذهن لا تعد، في ملة المعهد، من قبيل المعطى بكيفية واضحة ومتمايزة كما ألَحَّ على ذلك ديكارت، بل من قبيل ما يتطلب رصْدُه بحثاً تجريبياً وشاقاً. وهذا مظهر أساسي من مظاهر اختلاف الطرح المعرفي (نسبة إلى علم النفس المعرفي) للذهن الذي تعرضه نظرية المعرفة المتصلة بأنموذج الشعور.

الصفحات