أنت هنا

قراءة كتاب تصور لمستقبل البشرية - إنشاء مجلس مستقبل العالم

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
تصور لمستقبل البشرية - إنشاء مجلس مستقبل العالم

تصور لمستقبل البشرية - إنشاء مجلس مستقبل العالم

كتاب "تصور لمستقبل البشرية..

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 2

مقدمة الطبعة العربية

بقلم : جاكوب فون أويكسكول
أُعبِّرُ، بدايةً، عن عظيم امتناني للأستاذة الدكتورة رفيعة غباش، لتفضلها بترجمة كتاب مجلس مستقبل العالم إلى اللغة العربية·
لقد اجتمع المجلس التأسيسي لمجلس مستقبل العالم، بعد ظهور هذا الكتاب، ووفرت لنا مدينة هامبورج الألمانية التمويل الذي سيتيح لمجلس مستقبل العالم، وقد اكتملت صورته، أن تنطلق فعالياته، ويبدأ أعماله بالعام 2007·
لقد كان يبدو لنا، حتى وقت قريب جدًا، أن المستقبل قادر على أن يتكفل بذاته، وأن الصحارى والبحار، مع دوران الفصول، قائمة على حالها؛ غير أن الحال أصبح غير الحال، في غضون أجيال قليلة؛ وتقدم لنا منطقة الخليج العربي مثالاً جليًَّا لتغيرات متسارعة، حدثت خلال جيل واحد، لا غير· ولم يكن ثمة فسحة من الوقت للالتفات إلى ما تم الاتجاه إليه من خيارات، فقد كان هناك دائما من يخبرنا بأن أحدًا لا يمكنه إعاقة التقدم؛ والحقيقة هي أننا، بطبيعة الحال، كنا نمتلك خياراتنا حول المستقبل الذي نبتغيه· وكان هناك، في أغلب الأوقات، من يقول بأن النموذج الغربي هو الأفضل؛ ولكن·· أي نموذج غربي، والغربُ ذاته مطالبٌ بأن يأتي بنماذجه وخياراته· لقد بدت الولايات المتحدة الأمريكية في عيون كثير من الناس، ولزمن طويل، هي الرمز على المستقبل، حيث المجتمع المفتوح الذي يحظى بالأمن ويرفل في النعيم ورغد العيش؛ وها هي الحقيقة تتبدى، فلا هو مفتوح كما كنا نتصور، ولا هو ينعم بالدرجة من الأمان واليسر التي كنا نغبطه عليها؛ وتبين أن نوعية الحياة الأمريكية تقوم أساسًا على مدى قبول بقية العالم للعملات الورقية الأمريكية كمقابل لثروات الموارد الطبيعية، وكأجر عن عمل شاق· كذلك، تأكد أن الأطفال الأمريكيين الحاليين أضعف صحةً، وأمهاتهم أقل سعادة، من آبائهم في الجيل السابق عليهم·
ولملاحقة عربدة المذهب الاستهلاكي، الذي يتخذه النموذج الأمريكي أساسًا له، فإننا نبدد ميراث الأجيال القادمة· لقد كتب القاضي السريلانكي (س· ج· ويرامانتري)، أحد الأعضاء المؤسسين لمجلس مستقبل العالم، يقول :
تكفل لنا قدراتنا الحالية أن نتدخل بالتأثير في الأحوال الفيزيقية التي سيعيش فيها خلفاؤنا، على مدى عشرين ألف سنة من الآن· فنحن قادرون على أن نُبدِّلَ أحوالَ مناخ كوكبنا إلى أذىً دائم لهؤلاء الخلفاء؛ وبمقدورنا أن نتخطى حدود الزمن، فنتجاوز الحدود والعوائق الجيولوجية والسياسية والثقافية، لنشكل أفكارَ تجمعاتٍ ضخمةٍ من البشر في قوالب تتناسب ورغبات أولئك الذين يحسنون تطويع القوى لصالحهم· ولقد كانت مسئولية رهيبة تلك التي ألقيت على كواهلنا في المائة سنة الفائتة، ولكننا لم نفطن إلى ضرورة تجديد وتعديل ما انتهجناه من سياسات، وما تبنيناه من تصورات، وما عملنا وفقا له من مؤسسات، في ضوء مستجدات الواقع
لقد نثرنا بذور هلاك النوع البشري وحضارته، بينما أولئك الذين نلحق بهم الدمار - أطفالنا وأطفال أطفالنا، إلى ما شاء الله من أجيال متتالية - يلتزمون جانب الطريق، عاجزين، لا صوت لهم، وغير معترف بهم· ونتشدَّقُ باتِّباع قواعد الديموقراطية التي يكفلُ مبدأُها الأساسيُّ ألاَّ يتعرضَ فردٌ أو جماعةٌ من الناس للضرر دون أن يكون لهم حقُ الاعتراض· ألم تكن (لا ضرائب دون اعتراض) هي الصيحةُ التي كافحت من أجلها الديموقراطية؟؛ فماذا، إذن، عن أولئك الذين نفرض عليهم الضرائب·· وأولئك الذين نسلبهم حقوقهم·· وأولئك الذين نحكم عليهم بالموت، دون أن يكون لهم حق الاعتراض في مجالسنا الديموقراطية المعاصرة؟· إنها ديموقراطية ترقُدُ على فراغٍ تشريعي، صنعته هي نفسها !
لقد جاء مجلس مستقبل العالم ليملأ هذا الفراغ·
إن ما يواجهنا من تحديات بالوقت الراهن هو، بالدرجة الأولى، سلوكي وأخلاقي، وليس في الشأن السياسي أو الاقتصادي؛ فحماية القدرات الحيوية لأرضنا، وتنوع الحياة فيها، وجمالها، هي أمانة مقدسة· وإن أخطارًا مثل تغير المناخ الكوني، وانقراض أنواع من الكائنات الحية، والنقص المتزايد في موارد المياه العذبة، لتدعونا لأن نعيد التفكير في مستقبلنا· كذلك، فإن مشكلةً كانتشار البطالة، في عالم أمامه الكثير مما ينبغي أن يقوم به، يمكن أن تعصف بالسلام الاجتماعي في مجتمعاتنا· وإننا لنشهد الآن تداعي النظام العالمي الذي تأسس بعد 1945، والذي - برغم عيوبه - كان يعدُ بتحقيق السلام المبني على القانون الدولي بين الأمم؛ فها هو الغرب لا يقيس بالمعيار ذاته وهو يتعامل مع علاقة إسرائيل بجيرانها العرب، مما يجعل المزاعم الغربية المتعلقة بنُصرة حقوق الإنسان محل سخرية؛ كما أن الحرب التي لا تزال تدور رحاها في العراق تُبيِّنُ لنا أن ثمة ردةً إلى نظام عالمي كان يقوم على مبدأ أن القويّ هو صاحب الحق·
لقد كان رئيس الوزراء اللبناني الراحل رفيق الحريري يقول : (لا تنتظر من منقطعي الرجاء غير الأفعال اليائسة !)؛ وعلينا أن نختار بين أن نبني مستقبلاً على أساس من التعاون من أجل الأفضل، أو مستقبلاً يقوم على التنافس من أجل الأرخص، حيث يعيش (الفائز) فيه بحالة خوف دائم من الخاسرين اليائسين؛ وفي هذه الحالة، فإن أحفادنا لن يتذكروننا إلاَّ كمجرمين أو مخبولين؛ والأمر مرده إلينا·
إن أعظم كارثة تواجهنا لا يَرِدُ ذكرُها بين ما اعتدنا ترديده من الكوارث، وهي تتمثل في فشلنا في حل هذه المشاكل، بالرغم من الرصيد المعلوماتي غير المسبوق الذي نمتلكه، وبالرغم من الخبرة، والموارد الطبيعية، والتقنيات التي لم تكن متوفرة في عصور سبقت؛ وهي كلها عوامل كفيلة بأن تجعلنا قادرين على إيجاد الحلول المطلوبة· لكن، هل - مع كل ذلك - يتوفر لنا الحكمة والذكاء؟· إنهما، بالتأكيد، لا يتوفران لدي هؤلاء الذين قاموا بغزو العراق، ولا لدى أولئك الذين يتحدثون الآن عن مزيد من التدخلات المسلحة·
إن ما نحتاج إليه حقا هو أن نؤسس لتحالفات جديدة من أجل مستقبل يسوده السلام بين الأمم بعضها بعضا، وبين البشر والطبيعة· ويستهدف هذا المشروع مجلس مستقبل العالم بناء هذا التحالف·
جاكوب فون أويكسكول
رئيس مبادرة مجلس مستقبل العالم
لندن - يوليو 2006·

الصفحات