أنت هنا

قراءة كتاب تصور لمستقبل البشرية - إنشاء مجلس مستقبل العالم

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
تصور لمستقبل البشرية - إنشاء مجلس مستقبل العالم

تصور لمستقبل البشرية - إنشاء مجلس مستقبل العالم

كتاب "تصور لمستقبل البشرية..

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 10

قيمٌ مشترَكة

إننا بحاجة لعقد اجتماعي جديد، يجمع بين الأجيال المتعاقبة، ويحقق ما نرومه من توازن وكفاية· لقد انتظمت لجان دولية في إجماع رائع عندما سُئل أعضاؤها المنتسبون لمرجعيات متباينة، ونظم عقائدية متعددة، أن يحددوا ما يحتاج إليه العالم وأجيال المستقبل· وكثيرًا ما يتردد القول بأن القيم والمبادئ الأوربية، أو الغربية بصفة عامة، تقدم حقوق الفرد على حقوق الجماعة، وعلى العكس من ذلك يفعل الشرق؛ والعبرة في ذلك بما يجري في الواقع، حيث نجد الأمور مختلفةً· لقد أنشأتُ، منذ عشرين عامًا، جوائز الطفولة السليمة، ويقدمها البرلمان السويدي كل سنة؛ وقد فاز بها كثيرون من مواطني الدول الأخرى؛ وكانت المرة الوحيدة التي اتُّهِمتُ بعدم معرفتي بالقيم الآسيوية والأفريقية، عندما اشتكى النظام الاستبدادي في كل من إندونيسيا ونيجيريا من تقديم الجوائز لنشطاء حقوق الإنسان في البلدين· ولا غبار في أن تختلف القيم التي نؤمن بها، إذ أننا لسنا شياطين، كلِّيَّةً؛ أو ملائكة بالكليَّة؛ وحرِيٌّ بذلك أن يجعل ترتيب أولوياتنا على درجة كبيرة من التشابه·
لقد كان أسلافنا يُقصرون مظاهر الاستهلاك الإسرافي وغير المعهود على مناسبات وأعياد محددة؛ فلو كان ذلك النمط من الاستهلاك سائدًا طول العام لأدَّى إلى استحالة الحياة في كوكبنا الآن· ولا أحد يقبل السلوكيات الأنانية إلاَّ تحت ظروف استثنائية لها صفة الخطورة· والناس يكرَّمون من أجل ما أعطوه للآخرين، ولمجتمعاتهم؛ أما الجشع الفردي، فهو مستنكَرٌ في كل مكان وزمان، ما عدا عند ثقافتنا الغربية المعاصرة، فهي - تلك الثقافة - تحتفي بذلك السلوك، وتراه سلوكًا اعتياديًا، جديرًا بالثناء والإطراء، إذ أنه السلوك الذي تستحبه سياسات السوق؛ ولننظر إلى ما يقوله ألان جرينسبان، رئيس هيئة الاحتياطي الفيدرالي : (تتجلَّى في الأسواق طبيعة البشر في حقيقتها الراسخة بالأعماق؛ ومن هنا، فهي صادقة إلى أقصى حد)؛ ونحن نسألُ: هل السلوك الاستهلاكي - حقًا - هو حقيقتنا الراسخة؟
يقول لنا أبراهام ماسلو، مؤسس علم نفس الشخصية الجوَّانية، إنه من الصعب ممارسة قيم عليا، مثل المحبة والكرم والتكافل، في مجتمع لا تقوم قواعده ومؤسساته وأنظمته المعرفية بدورها في الارتقاء بقيمة الفرد· ولسنا كلنا أبطالاً، ومن ثمَّ فإننا يمكن أن ننصاعَ لمبادئ القوة، حتى وإن داخَلَنا شعورٌ بعدم الرضا تجاه ذلك؛ فإذا وصل بنا الحال إلى أن يكون اجتماعنا على الجشع، فقط، أو إلى أن يكون ما يفرِّقُ بيننا هو خلافات عميقة حول القيم، أصبح وضعنا لا رجاء فيه؛ فمن أين يأتي ما كنا ندعو إليه بشدة من (أخلاقيات جديدة)، و (توجهات فكرية جديدة)؟·· وعلى أي شيئ نرتكز؟
ومن جهة أخرى، إذا كانت القيم الإنسانية الأساسية مشتركة بين سكان العالم، بينما طرق وأساليب تفسيرنا وتوقيرنا وتخليدنا لها تعكس علاقات القوى في مجتمعاتنا، تبدَّى لنا طريقٌ للتقدم، إذ سيكون لكل فرد منا مشاركته في عملية تغيير الثوابت القائمة، لأنه - ببساطة - سيكون قادرًا على تحديها·
إنك، في بعض الأحوال، قد تجد الكفاية في توجيه سؤال مختلف؛ فعلى سبيل المثال، قيل لنا إن الأمريكيين يعتقدون أن دولتهم تنفق أموالاً طائلة على المساعدات الأجنبية؛ واهتمت هيئة فيدرالية أمريكية باستطلاع رأي الأمريكيين حول حجم المساعدات التي يعتقدون أن دولتهم تقدمها لفقراء العالم، مقدَّرّةً بنسبة مئوية من إجمالي الناتج القومي، فكانت الإجابة 18% بالمتوسط؛ كما تضمن الاستطلاع سؤالاً عن الحجم الذي يعتقدون أنه مناسب، فكانت الإجابة، خمسة بالمائة؛ أي ما يفوق الحجم الحقيقي لتلك المساعدات خمسين مرة !
إنهم يقتِّرون على الفقراء، ثم يعودون ويشكون من حركة الهجرة التي تدفع إليها الضغوط الاقتصادية؛ وهذه صورة من صور القصور في الفكر الاقتصادي، الذي يهتم بالتصنيف والتبويب، فيجد في زيادة الاستهلاك عند الصينيين دافعًا للقلق، بنفس الدرجة التي يشعر بها تجاه عدم إقبال اليابانيين على الاستهلاك بما فيه الكفاية· وعلى المنوال ذاته، ترى تلك العقلية ضرورة تخفيض سن التقاعد، بهدف توفير فرص عمل للشباب؛ ثم تعود - في الوقت نفسه - لتفكر في الاتجاه العكسي، فترى أن ترفع سن التقاعد، لتخفيض كلفة إنشاء وظائف جديدة؛ كما أنها - العقلية ذاتها - تبدي قلقها إزاء تضخُّم مستوى الديون؛ وتبدي قلقًا أكثر بشأن العواقب المترتبة على هبوط ذلك المستوى·
إنَّ نظامًا ديموقراطيًَّا يشغلنا بالمفاضلة بين مصادر الطاقة الكهربية المختلفة، في حين لا يعطينا حق الاختيار في مسائل تمسُّ صميم القيم التي نتمسَّكُ بها، لهو نظام زائل لا محالة؛ وقد خلصت (لجنة بينتاسيلجو)، منذ سنوات قليلة، إلى حقيقة مفادها أن ما يحدد حجم ما تفوز به من قدرات هو نجاحك في العناية به والحرص عليه· والنظام السياسي الذي يغذي نمط السلوك الفردي الجشع إنما يدمر ذلك العامل الذي يحدد حجم المكتسب من القدرات؛ وهو يدمره بصورة لن تؤدي فقط إلى تعريض المهاجرين للمخاطر، بل أيضًا إلى المخاطرة بتماسك مجتمعاتنا·

الصفحات