كتاب "تصور لمستقبل البشرية..
أنت هنا
قراءة كتاب تصور لمستقبل البشرية - إنشاء مجلس مستقبل العالم
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

تصور لمستقبل البشرية - إنشاء مجلس مستقبل العالم
لنجعله واقعًا ملموسًا
بقلم / جاكوب فون أويكسكول
القيم والاستقرار في العالم
في مفتتح الألفية الجديدة، يحتاج العالم لكيان له صفة الاستقلالية، يعمل على ضخِّ أبعاد أخلاقية في أساليب الإدارة والسلوكيات المتصلة بالقضايا الكونية· إننا بحاجة لصوتٍ جلي مثابر، يعبِّرُ عن قيمنا، نحن سكان العالم، وليس فقط عن قيم المستهلكين في عالمنا·
إن التحدي الحقيقي الذي يواجهنا ليس هو ما يمكن تسميته بالفراغ القيمي، بل هو ما يحيط بالقيم، التي تحظى بقبول واسع، من عوامل مثبِّطة· إن مجلس مستقبل العالم يجري تأسيسه للتأكيد على أن المنحى الأخلاقي في التفكير طويل الأمد أصبح هو مركز الجدل حول مستقبل البشرية، بعامة· ويقول لنا التاريخُ إن التحديات التي تواجهها البشرية، بالوقت الراهن، فريدةٌ من حيث اتصالها بكامل الكون، ومن حيث عدم وجود حدود لامتدادها الزمني؛ فلأول مرة في التاريخ البشري، لن يقتصر تأثير ما نتخذه حاليًا من قرارات، أو ما لم نتخذه منها، على المائة سنة القادمة، بل سيمتد مفعوله ليغطي الألفيات التالية من تاريخ الحضارة البشرية، وربما يمتد أكثر، على مدى عصور جيولوجية قادمة· وبينما نحن نمتلك من القوة ما يجعلُ تأثيرنا على الأجيال الحالية والمستقبلية شديد الوقع، يبدو أن قدرتنا على التعامل مع ما تخلَّفَ عن ذلك التأثير محدودةٌ، بالنسبة لكلٍ من الآثار التي عمَّت الكون كلَّه، والآثار المؤجَّلَة، على المدى الطويل· لقد طالت ضغوط مجتمع المستهلكين العالمي ما كان يتمتع به كوكبنا من (تكاملية)، فدمرتها· وبالرغم من الصخب المتصاعد، الداعي إلى تغيير أنماط الاستهلاك، فمن النادر أن تجدَ من يبحثُ عن البدائل، مما يجعل الكثيرين يتزايد إحساسهم بالسخط، وتثبط هممهم·
ثم، إننا لا ننفكُّ نحتفي بسيطرتنا على الطبيعة، ولا نلبثُ، بذات الوقت، نتفجَّعُ عليها وننوحُ· إننا نبدو وكأننا جزءٌ من عملية آلية، عصيَّة على التوجيه والإدارة، يقال لها (التقدُّم)، إلاَّ أن تجربتنا المعاصرة في أن نعطي الأولوية لحرية العلم والحرية الاقتصادية، ثم نجيئ بعنصر الأخلاقيات، فيما بعد، ليتعامل مع النتائج المترتبة على هذه الوضعية، يبدو أنها تجربة غير ناجعة·
إن الفقر ليس بأعظم مشاكلنا، وكذلك ما يحيط بالبيئة من دمار، ولا هو - حتى - الإرهاب؛ وإنما أكبر المشاكل هو فشلنا في الاستجابة للمتغيرات الهائلة التي طرأت على زماننا، برغم أننا نمتلك من المعرفة والقوة ما كان يمكن أن يحقق هذه الاستجابة·
تلكمُ هي التحديات التي يستهدف مجلس مستقبل العالم التصدِّي لها؛ هذا المجلس الذي يتطلَّعُ لأن يكون الصوت القوي المعبِّرُ عن العالم، والذي يُرتكنُ إليه في الاستجابة للقيم الإنسانية الأصيلة·
إن قوة المجلس هي، بالدرجة الأولى، أخلاقية؛ غير أن ذلك لا يجب أن يجعلنا نهوِّنُ من شأنه؛ فهو - بصفته الصوت القيِّمُ على العالم - سيقدر على توفير الإرشادات الثمينة، وسيصبحُ عاملاً قويًا، دافعًا على التغيير· وعندما يأخذ المجلس في اعتباره ما نحفظه من القيم العامة، وما ينتظرنا من مسئوليات نحو الحاضر والمستقبل، فإنه سيرفد كلاًّ من عمليات البحث، وأعمال التنفيذ، بالبواعث الجوهرية· وسيكون المجلس المرجع الأخلاقي للقرارات الفاصلة، إذ سيصبحُ (تجمُّعًا للضمائر)، تمنحه قامات ومقامات أعضائه من الصلاحيات ما يمكِّنه من إبداء رأيه في قضايانا الكبيرة المعاصرة· وسوف يستمدُّ المجلسُ شرعيته من عمله المتميز، ومن الصفة العالمية لأعضائه؛ فهو بمثابة محكمة ثابتة الأصول، تمثِّلُ ضمير العالم، ترفع صوت القيم التي نتبنَّاها، وتدافع عن حقوقنا وواجباتنا كمواطنين نعيش في هذا العالم·
وسوف تكون للمجلس دورات انعقاد عامة منتظمة، على المستويين القومي والعالمي، حيث يستمع فيها إلى مختلف الآراء، ويتدارس القضايا، ويتخذ القرارات بشأنها· وسيكون من أهداف المجلس تقوية المبادرات الأخرى، التي تسعي من أجل إعلاء شأن التكامل والمسئولية؛ كما أنه سيُجبِرُ صانعي القرار على ألاَّ يكتفوا بالنظر إلى الميزات السياسية والاقتصادية التي يأتي بها مشروعٌ ما، فيسألوا أنفسهم : هل هذا المشروع مفيد للناس، ولسائر العالم، الآن، ومستقبلاً؟
وسوف تشتملُ مهام المجلس على تحليل وتثمينٍ لقضايا يجري معالجتها الآن في تكاسل واضح، مثل قضية تبدُّل المناخ، و قضية اجتثاث الغابات، وافتقاد العالم لعدالة التوزيع· ولن يكتفي المجلس بذلك، بل سيعمل جاهدًا لإصلاح هذه الأحوال، بأن يسد الفوارق بين ما هو حاصل فعلاً، وما تقتضي الأحوال به أن يتمَّ· ولن يعمل المجلس في وادٍ بعيد عن صنَّاع السياسات، بل سيكون قريبًا منهم، على مستوى الأفراد، ومن خلال اتصاله بالمجموعات البرلمانية، مثل مجموعة (البرلمانيون الإلكترونيون)، وهي إحدى المبادرات الجديدة، التي ظهرت لتحقق التواصل الإلكتروني بين أعضاء برلمانات العالم الذين تم انتخابهم وفق أسس ديموقراطية· ونتصور أن أعضاء مجلس مستقبل العالم، متَّحدين مع البرلمانيين، سوف يعقدون جلسات استماع مشتركة، لصياغة أفكار ومقترحات قوية، يتخذونها أساسًا لحملاتٍ منظَّمَة يقومون بها في مجالسهم التشريعية القومية، وفي المؤسسات الأخرى ذات الصلة·