هذا الكتاب "أنصت إلى ذاتك" الذي ترجمته إلى العربية الكاتبة العُمانية أثمار عباس، هو عن معنى الحياة، لا أكثر ولا أقل عن لماذا نتوق لمعرفة معنى حياتنا؟
أنت هنا
قراءة كتاب أنصت إلى ذاتك
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
هكذا يبدأ بسؤال!؟؟؟
قد يبدأ الأمر هكذا بسؤال، في لحظة ما، في يوم ما من أيام حياتك العادية وأنت جالس في مكان ما تشعر بأن هناك إحساس خفي مغلوط في داخلك، ينتابك هاجس غير مُريح وتشعر بأن هناك شيء غير مضبوط في داخلك، إحساس يواصل الحفر داخلك ولا يدعك وشأنك.
إن الحوافز الخارجية "المادية" في الحياة عديدة لا تعد ولا تحصى ولا تدع المرء يعيش بهدوء مع نفسه فهي واقفة هناك تلوح وتنادي دائماً وأبداً ولا يستطيع المرء أن يتركها أو يتخلى عنها بسهولة خصوصاً في وقتنا الحالي والأشياء الهائلة التي يمكن لها أن تُلهي المرء وتشغله عن ذاته حتى وإن حاول تغيير اهتماماته والقيام بأشياء أخرى جديدة ومهما عمل وكيفما فعل سيواصل الشعور بعدم الراحة ورغم كل التصرفات التي يقوم بها إلا أنه لا يشعر بالراحة أبداً ولا يتحسن داخله إطلاقاً، ثم بعد فترة تعود إلى نفسه الهواجس مجدداً ويشعر بقلق غامض لا يعرف مصدره أو ما هي أسبابه فينتابه شعور مشوش يَقضقض داخله، إحساس ضبابي لا يعرف كنهه شعور بعدم الارتياح، شيء ما يظل يَقرُض ويقرض لا يعرف ما هو إلى أن يتوقف ذات يوم فجأة وربما في وقت متأخر من الليل فينتابه شعور بالجرأة فيبدأ بالإنصات إلى داخله، وبمزاج هادئ رائق يستمع إلى صوت داخلي يسأله بهدوء بعبارة ذات خمس كلمات:
- ما هو المعنى من حياتك؟ هنا يبدأ الشخص بالتفكير:
- نعم، هذا صحيح، ما هو حقاً المعنى الحقيقي لحياتي؟ إنه ليس بسؤال غريب من نوعه، ولا هو بسؤال مربك أو محير، لقد طُرح منذ قرون بعيدة لكن لا أحد يذكر ذلك، لقد بدأ الإنسان يسأل هذا السؤال منذ أزمان بعيدة، منذ زمن الكائن الذي يسمى إنساناً، منذ أصبحت لديه القدرة على التخيل والتأمل كل بصباح بأن هناك غداً سيشرق صباح جديد، لكن لا أحد يذكر ذلك أبداً.
- هل هذا كل شيء؟ يسأل المرء نفسه، ألا يوجد هناك شيء آخر؟
من ناحية سورين كيركيجارد الفيلسوف الكبير جاء سؤاله عن معنى الحياة في وقت مبكر جداً، أول مرة أحس بهذا السؤال عندما كان في سن الثانية والعشرين.
بوسعك الآن رؤية سورين، إنه أمامكم هناك في غرفة الأولاد في الشقة الكبيرة الواقعة في شارع نيتورف 2 في كوبنهايكن، إنه العام 1835 وسورين يمسك بأمتعته ويَحزم حقيبته ليرحل.
لقد كان سورين يمتلك كل ما يطلبه ويتمناه الشاب الصغير في ذلك الوقت، كان والده ميشيل بدرسن قد عمل طويلاً إلى أن جمع ثروة كبيرة وأصبح من أغنى أغنياء كوبنهايكن وكان لديه طموح كبير أن يكمل جميع أولاده تعليمهم العالي، وهاهو سورين يذهب إلى الجامعة ليدرس اللاهوت وهكذا بدأ بدراسة علم الأديان لعله يصبح قساً لقد قرأ ودرس لكنه لم يبالغ بدراسته وكان يأخذ قسطاً كبيراً من الراحة ويحتفل كثيراً وأحياناً يذهب إلى المحاضرات بدون رغبة فقد كانت لديه صعوبة في أن يفهم لماذا يجمع كل تلك المعلومات وماذا سيفعل بها؟ ماذا ستضيف له تلك المواضيع والدراسات العلمية؟:
– بماذا ستفيدني تلك المعلومات التي أدرسها في الجامعة؟ ماذا ستضيف لي إن استطعت أن أشرحها أو أفسر تلك التعاليم المسيحية التي أعرفها في الأساس؟ إلى ماذا سيفضي بي الحال إن عرفت الكثير عن تلك المعاني وعن الظواهر الطبيعية في الكون؟ وعندما لا يمكن لتلك المواضيع أن تعني لذاتي ولنفسي شيئاً، ولا تعطي لحياتي أي معنى عميق، لماذا أقروها؟! يكتب هذا كيركيجارد في كتابه "يوميات الأخضر".
لم يعد هناك شيء يلامس قلب كيركيجارد، ولا شيء يؤثر عليه أو يشعره بالحماس كالحماس الذي يشعر به الكثير من شباب اليوم، كانت آراؤه سابقة لعمره، فمنذ عامه العشرين كان يشعر بأن أغلب الأشياء ليس لها معنى وأنها عديمة الفائدة:
-لماذا أعيش؟ بدأ يسأل نفسه!
-ما هو المغزى من حياتي؟ أنا شخص يقف هكذا على علامة استفهام كبيرة؟!
وهكذا قرر سورين أن يترك المدينة ويسافر بعيداً إلى الريف، سافر إلى "غيلاليه" قرية الصيادين، فبعد أن اكتشف أن كل شيء بلا معنى وما هو إلا خُدع زائلة هرب إلى الطبيعة ووجد أن العزاء الوحيد هو أن يكون هناك بين أحضان الطبيعة المتجددة دائماً وأبداً وأن يتعلم منها ويبحث عن ذاته فيها، وكما كتب في رسالة إلى نسيبه بيتر وليام لوند الذي تزوج بإحدى قريباته يقول : إن سبب رحلته إلى الريف هو العودة إلى الطبيعة، وهناك سيركز انتباهه إلى داخله ويلقي نظرة إلى أعماق روحه، إنها نظرة تفحص عميقة ربما يصل بها إلى تفهم ما لأصول الدواخل الإنسانية، هذا ما حصل مع العالم إسحاق نيوتن عند جلوسه مع الطبيعة، إنه يوم عادي من أيام العطلة الصيفية، بدا وكأنه حدث عادي لكنه أصبح واحداً من أهم الأحداث التاريخية التي أثرت على مجرى الحياة الإنسانية كلها، لقد استلهم إسحاق نيوتن مصدر طاقته ونظريته حول الجاذبية الأرضية من جلوسه تحت شجرة التفاح، كان نيوتن جالساً تحت الشجرة يتأمل عندما سقطت تفاحة من أعلى الشجرة إلى الأرض، فخطرت له الفكرة وجاء بنظريته تلك، كذلك سورين كيركيجارد ترك المدينة ورحل إلى قرية "غيلاليه" حيث الريف الساحر والطبيعة الخلابة، جلس سورين هناك أياماً حيث استطاع أن يعبّـر عن نفسه وشكَّل الأساس الأول لفلسفته الوجودية.
-إذ لم أجد معنى للحياة في حياة المرح والاستمتاع التي أعيشها في كوبنهايكن ولم أجد ذلك المغزى في دراساتي للعلوم والمعارف التي قرأتها في الجامعة قد أجدها مع الطبيعة!.. الأشجار!