هذا الكتاب "أنصت إلى ذاتك" الذي ترجمته إلى العربية الكاتبة العُمانية أثمار عباس، هو عن معنى الحياة، لا أكثر ولا أقل عن لماذا نتوق لمعرفة معنى حياتنا؟
أنت هنا
قراءة كتاب أنصت إلى ذاتك
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
الوجود "الحقيقة"
"تقدم وأظهر نفسك من خلف الشجرة!"
يعتقد الكثير من البشر أنهم يستطيعون العيش دون الحاجة لمعرفتهم إلى أين يمضون في حياتهم، ويتصورون أنهم ليسوا بحاجة إلى التفكير ملياً في حقيقة وجودهم، ولا يحاول أي منهم أن يفهم ما المعنى الحقيقي من حياته فهم يعتقدون أن ما هم عليه يكفيهم للعيش في هذه الحياة دون الحاجة إلى أن يؤثروا أو يتأثروا، إنهم يحيون حياتهم هكذا: يستيقظ الواحد منهم صباح كل يوم يتناول فطوره ويذهب إلى العمل، يتسوق وفترة الظهيرة يتناول غذاءه وفي المساء يشاهد التلفزيون ثم يذهب ليلاً إلى فراشه وينام، وهكذا ينهض صباح اليوم التالي مرة أخرى ويتناول فطوره ويذهب إلى العمل، يتسوق، يتناول الغداء وفي المساء يشاهد التلفزيون ثم ليلاً يذهب إلى الفراش وينام، وهكذا هو على هذه الحال كل يوم وربما في إجازاته يسافر يقضي عطلته الصيفية في أي مكان آخر أو ربما يقوم بعمل بعض التصليحات في منزله أو يذهب إلى السينما لمشاهدة الأفلام أو يلتقي بأحد أصدقائه وهكذا إلى آخره ثم يذهب إلى الفراش ليلاً ينام وفي صباح اليوم التالي ينهض وهكذا تعود دورة حياته تسير على هذا المنوال كل يوم وكل شيء يسير على ما يرام دون التفكير بشيء آخر.. إذا كانت حياة الإنسان تجري على هذا النحو فلن يتوصل إلى طريق سليم لفهم نفسه أو معرفة ذاته وسيشعر في الوقت نفسه بأن هناك شيء ينقصه وأن ثمة حيرة في نفسه وروحه ولا يدرك لماذا.
لقد جاء سورين كيركيجارد بفلسفته الوجودية هذه وأكد على أن حياة الإنسان لم تكن تسير بهذه الصورة أبداً، لا، لا يعتقد بذلك، في الوقت نفسه لم يكن لديه أية فكرة أو رأي معين حول اختيارات البشر لحياتهم اليومية لأن حياة البشر اليومية هي تخص الشخص نفسه وهي ليست مشوقة أو مُثيرة للاهتمام بشكل خاص، إذا قمت بتغيير عملك على سبيل المثال تترك العمل، وبدلاً عنه، تذهب لإكمال دراساتك الجامعية أو الدراسات العليا أو على سبيل المثال تشاهد الأفلام السينمائية في البيت مقابل أن لا تذهب إلى السينما العامة أو المسرح، تقوم بترميم منزلك بدلاً من هدمه وبنائه من جديد، تُنضد أثاث منزلك وتجددها بدلاً عن رميها وتأثيث البيت من جديد، عدم السفر في الإجازة السنوية إلى خارج البلد وتستعيض عنها بالتنزه داخل البلد، وهكذا يمكن أن نجد أمثلة كثيرة ووصفاً جيداً عن حياة سورين الخاصة، لكن سورين كان على قناعة تامة من أن هذه الأشياء السطحية سواء استبدلها المرء أو أعاد ترتيبها من جديد فهي غير كافية لفهم الذات وأنها مجرد مظاهر خارجية لا تكفي لتدبير وتنظيم أمور النفس من الداخل، ويرى أنه سيأتي يوم يصرف النظر عن أي شيء لدى المرء ومهما كانت الحياة التي يعيشها سواء كان يعيش حياة هادئة مُسالمة أم مغامرة صاخبة، راضية مريحة أم شاقة متعبة سيأتي اليوم ويسأل نفسه:
-لماذا أعيش؟ ما المغزى من حياتي؟!
يرى سورين أن البحث عن معنى الحياة أمر طبيعي لدى الإنسان فهو لا يستطيع أن يتجنبه أو يتجاهله إنه تطور طبيعي حَتميّ لا مفر منه في حياة البشر فهو ينمو ويكبر فيه تماماً كنمو الجسم وتدّرج عمر الإنسان وكبره، وكيفما كان جسد الإنسان وكيف يكون، كيف كان صغيراً وكيف يكبر تدريجياً بمرور الزمن من تلقاء نفسه فهو ينمو من طاقته الخاصة من قوته الجوّانية الخاصة به، كذلك ذوات البشر ترغب أيضاً في أن تنمو وتتطور لتُعانق المزيد من الحقائق في الحياة وتَحْضُن الواقع كي تحصل على معنى لحياتها ونفسها، لقد أكد سورين أن الإنسان لا يمكنه أن يجد معنى لوجوده خارج حدود ذاته، إن البحث عن معنى الحياة موجود في طبيعته الإنسانية.
يرى سورين أن الشخص كما قال الفيلسوف اليوناني أفلاطون هو إنسان وليس قطعة أثاث، إنه عبارة عن روح وليس كرسياً، إن الكرسي لا يحتاج إلى شيء ليشعر بالراحة إنه ليس بحاجة إلى أي شيء ليكون راضياً أو غير راضٍ، مقتنعاً أو غير مقتنع ولا يحتاج ليفكر بمن صنعه ومن وضعه، فلقد اقترح بعض الأشخاص بالاتفاق معاً ولا خلاف على ذلك بأن يُنجِّروا ذلك الشيء ومن ثم تم الوقوف على هذا الشكل فصُنِعَ على هذه الطريقة وأُطلِقَ عليه اسم "كرسي" إنه مجرد كرسي سواء قمت بتحريكه يميناً أو يساراً أو قلبته فوق أو إلى تحت، ترميه من أعلى أو تطرحه أرضاً لا يهم في ذلك فمهما فعلت به فهو يبقى كرسياً ليس لديه أي رد فعل لشيء، ولا يرغب في شيء، ولا ينمو ولا يتطور ويظل فقط قطعة أثاث صنعها نجار لا أكثر ولا أقل وكذلك الحال مع الشجرة، البيت، الحائط، السيارة، الكرة، وغيرها من الأشياء الجامدة وإلى حد ما بعض الحيوانات، كل هذه الأشياء وغيرها تختلف عن الإنسان، إنه يختلف عنها فهو لم يكن ككرسي أو كشجرة أو كرة أو بيت وإنما هو عملية، إنه عملية تسجيل، تدوين، يتصرف، يتعامل مع الحياة، يتفاعل معها يؤثر ويتأثر بها، له فعل ورد فعل، إنه في تغيير متواصل ومستمر بشكل دائم على مدى الحياة التي يعيشها، يكون يوماً على وضع معين ثم بعد فترة هناك إمكانية تغيره ليكون على وضع آخر، ولا يسعه إلا أن يتساءل باستمرار، إن الإنسان لا يتوقف عن التساؤل من أنه كيف يكون على ذلك القدر الكبير من التغيير؟ لو تغيرت غداً كيف سيكون شكلي؟ وكيف سأكون أنا؟ أن تلك التغيرات التي تطرأ عليه هي التي تُثير اهتمامه، إن تغيير صورته بين الحاضر وبعد سنوات، بين أنا اليوم وأنا الغد، تلك التساؤلات وذلك الاندماج المتغير العجيب المبني بداخلنا بين أنفسنا والعالم هو الذي يجعلنا نبدأ بالبحث عن معنى الحياة، هذا ما يعتقده سورين، لقد دَرَسَ سورين وتعلم بنفسه وبدأ ينظر من حوله، فتش في علاقاته بين الأصدقاء والمعارف، راقب الكثير من البشر ودوّن ملاحظات كثيرة، كتب في دفاتر يومياته مجموعة كبيرة من الأفكار والأحاسيس، آراء، نظريات، اعتقادات، قصصٍ، حكايات، وأخذ يقارن في كل مرة بين أي رأي أو أي حديث ذي مغزى معين ويطابقه برأيه أو بحديث آخر وبمرور الوقت ومع كل تلك المحاولات والمناقشات رأى سورين أنه يمكن أن يتفهم كيف تعمل ذاته وذات الآخرين، في أي الافتراضات؟ وما هي الاشتراطات التي ينبغي أن يعمل عليها الإنسان ليكون هو ذاته؟ أي الاختيارات ينبغي أن يعمل عليها؟ وأي تعامل أي تصرف وأي سلوك ينبغي على المرء أن يسلكه كي يزيد من تطوير فهمه لداخله؟ وأي الطرق التي ينبغي أن يمضي بها قدماً من أجل التقدم لفهم داخله أكثر؟ بعد فترة توصل سورين إلى فهم معين، وبدأ يعرف أي الخيارات التي ينبغي العمل عليها، ماذا يحتاج المرء ليسير أعمق في طريقه ليتطور داخله، وجد سورين أن هناك ثلاث مراحل حسيّة يمكن للمرء أن يعرف عبرها كيف تعمل ذاته وكل مرحلة من هذه المراحل توصل إحداها إلى الأخرى، المراحل هي:
المرحلة الأولى هي (المرحلة الحسية)، والمرحلة الثانية (المرحلة الجوّانية)، والمرحلة الثالثة هي (المرحلة الروحية)، يرى سورين أن لكل مرحلة من هذه المراحل الثلاث لها خطوات، وكل خطوة منها تؤدي إلى الوصول إلى الخطوة الأخرى.