هذا الكتاب "أنصت إلى ذاتك" الذي ترجمته إلى العربية الكاتبة العُمانية أثمار عباس، هو عن معنى الحياة، لا أكثر ولا أقل عن لماذا نتوق لمعرفة معنى حياتنا؟
أنت هنا
قراءة كتاب أنصت إلى ذاتك
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
الخطوةالثانية !
أن تجمع الأشياء
كنا على متن السفينة بعد أن عبرنا الحدود، رسونا على رصيف الميناء على منفذ نستطيع الخروج منه بسهولة إلى الحديقة العامة، عند منطقة الأرخبيلات الساخنة والصخور العارية، كان في السفينة ثلاث أسرة وملحقاتها ستكون لنا منزلاً، وفي الوقت نفسه هي طريقة لتنقلاتنا بين البلدان في الأسابيع الصيفية المقبلة، تلك هي المرة الأولى التي نسافر بها على متن السفينة، سنوات ونحن نفكر بالسفر لكننا لم نفعل، سنة، سنتان وثلاث وأربع سنوات والسفينة واقفة هناك عند الشاطئ دون حراك، ببساطة شديدة كنا لا نطيق العمل والسفر على متنها.
عندما يتقدم الإنسان ويتطور إحساسه من "انظر إلى هناك" إلى "هذا لي أنا" كما في مثال الطفلة الصغيرة، معنى ذلك أنه في الخطوة الثانية من طريقه إلى المرحلة الحسية، يبدأ بجمع الأشياء وبدلاً من أن يقول: " انظر إلى ذلك الذي هناك" يتطور الإحساس إلى "هذا خاصتي، إنه لي أنا"، إن العالم الخارجي، الطبيعة، الأشياء والبشر، كل هؤلاء لم يعودوا موجودين للاكتشاف فقط، وإنما هم أشياء موجودة يستطيع أن يستعملها بنفسه، أولاً وقبل كل شيء يمتلك تلك الأشياء من أجل البقاء حياً، ثم بعد ذلك تتحول إلى شيء موجود من أجله، ليمتلكها هو لنفسه، إن الأطفال الصغار يتعلمون سريعاً كيف ينظرون ويُقيّمون الأشياء التي لديهم ليحصلوا على أشياء أخرى أيضاً، يعطيهم الامتلاك قوة واهتماماً كبيرين وأحياناً أشياء أخرى، على سبيل المثال طفل يحصل على أصدقاء أكثر وذلك لأنه الوحيد الذي يملك رفشاً، مِسحاة عند حفرة الرمل، أو أنه الوحيد الذي يملك لعبة جديدة حاسوب أو غيره يتجمع حوله مجموعة كبيرة من الصغار لينظروا ما هذه اللعبة، أو ربما اشترى علبة حلوى كبيرة في وقت الاستراحة وفجأة يتحسن سلوك أصدقائه المنافقين معه ويصبحوا أكثر قرباً وتمسكاً به، وذلك ليحصلوا على بعض الحلوى منه، تملك منزلاً جميلاً، لديك سيارات فاخرة، ملابس، قوارب، حصة في شركة ما، شيكات وغيرها من الأشياء المادية وبمساعدة تلك الأمور والأشياء المحيطة بك يقوى شخصك، إن الأشياء مرتبطة مع الأشخاص، الفاعل والمفعول به، المستند والمسند إليه، أنت تكبر وتأخذ مكاناً أكبر في الحياة، تصبح أغنى والحياة تعطيك فرصة أخرى لإمكانيات ومعانٍ جديدة لها، لقد كان سورين نفسه، يحب الأشياء وكان ولعه المادي الكبير هو الكتب، وقد كان التلميذ سورين يذهب إلى سوق الكتب في شارع ريتزلس رقم 280 في كوبنهايكن ثلاث مرات بالأسبوع هناك حيث محل لبيع الكتب "مكتبة" كان يتأمل ويقتني الكتب وأحياناً يشتري كتاباً واحداً وعندما تكون محفظته مليئة بالنقود يشتري ما يريد وأحياناً عندما تكون محفظته فارغة كما حدث في 10 فبراير 1836 وقع في حب أعمال غوته الأدبية الكاملة واشترى 55 كتاباً وليس لديه أية نقود بعث بجرأة تامة الفاتورة إلى أبيه ليدفعها له، لقد كان سورين يشتري الكتب في انتظام كامل كان يذهب إلى محل بيع الكتب ثلاث مرات في الأسبوع أي 52 أسبوعاً في السنة وفي كل زيارة كان يشتري كتابين معنى ذلك أنه يشتري ما يعادل 300 كتاباً سنوياً وقد كانت قيمة الكتاب الواحد 200 كرون دنماركي، وإذا حسبنا قيمة الكتاب في حساب اليوم يصبح ما يعادل 60000 كرون في السنة الواحدة وحتى لو كان سعر الكتاب أرخص من هذا في ذاك الوقت لكأن تتخيل رد فعل الأب ميشيل بدرسن عندما كان يتلقى الفواتير وتتدفق عليه ديون مكتوب عليها اسم ولده سورين، أوراق مسطر عليها سطر وراء سطر ملاحظات مكتوب فيها كم تبلغ مشتريات ولده، وحتى لو كان ذلك الشاب يعشق الكتب ومولع بالقراءة والكتابة يعترف في دفتر يومياته بأنه قد اشترى بعض الكتب لا لشيء وإنما لمجرد اقتنائها:
".... لا عجب في أن أقول لكم بأن هناك العديد من الكتب التي اشتريتها لم أقرأها ووضعتها في البيت فقط والبعض الآخر اشتريته بسبب تأثري بعنوانه الرائع الممتاز" ولقد كتب سورين في 7 فبراير 1839 :
"لقد أغرمت إلى حد بعيد بهذا الكتاب ولقد شغل فكري عنوانه الرائع ولكنني لم أقرأه، لقد أحببت عنوانه فقط إنه للكاتب أنتون غونتر اسمه "فلسفة موت جوست!"
عندما ينشغل المرء بكتاب ما ولا يقرأه من بين الأشياء التي يعملها يقوم بتجليده مرة أخرى فيغلفه بقطعة جلد أو قطعة قماش لماع وغيره.
عندما توفى والد سورين ورث سورين وأخيه ثروة كبيرة وبيت من الحجر في محطة كوبنهايكن لقد باع الأخوين البناية وبدأ سورين بالإنفاق الكثير وبدد أموالاً كثيرة، اشترى سورين شقة كبيرة وسكنها لفترة محددة ثم عاش في شقة ذات خمس غرف وبدأ بتأثيثها وتجهيزها بأثاث منزل جميل، اشترى ستائر للشبابيك من نسيج الحرير، جمع الكثير من أكواب القهوة ذات النقوش النادرة وأصبحت لديه خزانة كاملة مليئة بالأكواب المُميزة، طلب من النجار أن يصنع له خزانة جديدة للملابس وطلب من الخياط أن يخيط له ملابس جديدة فخاط له الكثير من الملابس، صنع لنفسه أحذية جديدة لدى صانع الأحذية، وظف بعض المستخدمين لخدمته أخذ يتناول ألذ الأطعمة والمأكولات، اشترى صناديق كاملة من السيكار من محلات الأم-سيدخن أجود أنواع السيكار، استأجر العربات عند ذهابه إلى المقاهي والمسارح:
-كنت أنفق كثيراً، أعترف بذلك الذنب لقد بددتُ أموالي كلها!. يكتب سورين في دفتر يومياته، وعندما مات عام 1855 عن عمر يناهز 42 عاماً لم يملك ولا كروناً واحداً في جيبه وقد ترك مجموعة أثاث فقط، كتب، 30 قنينة نبيذ و599 ريكسدالر وهي "عملة سويدية قديمة".
نحن البشر لا نجمع الأشياء فقط وإنما قد يكون لدينا التوق أيضاً للدراسة، للعلم والمعرفة أو قد نتحرق شوقاً للسفر والترحال أو لكسب خبرات جيدة، إن كل ما يوجد هناك خارج أنفسنا، والذي نختاره نحن نرغب أن نغني أنفسنا به فنحن نريد كل شيء يجعلنا نشعر بحال أفضل، بوضع أهم، أكثر أماناً، أي كل شيء يمكن أن يتلخص بكلمة "أفضل وأكثر".
لقد كتب سورين عن (دون جوان وعشيقاته الألف وثلاثة عشيقة) وعن القيصر الروماني (نيرون) الذي كانت لديه قوة كبيرة وسلطة عالية لكنه يرغب في الحصول على المزيد أكثر وأكثر، وعن ذلك الشاب (فاوست) الذي يبيع روحه للشيطان كي يحصل على المعرفة أكثر وأكثر، ماذا لو كان سورين يعيش يومنا هذا ماذا ستكون تعليقاته عن عمليات التجميل ( لمايكل جاكسون) الغير معقولة أو ماذا سيكتب عن اندفاعات المجتمع الهائجة حول البضائع الاستهلاكية وشرائهم للمواد بكميات هائلة؟ كون المرء يريد أشياء أو أنه يرغب في امتلاكها ليست مشكلة، يقول سورين، إنها مجرد أشياء، ممارسات، أفعال يومية مميزة بالنسبة له يستطيع أن يفعلها لكن المشكلة أن المرء مهما امتلك ومهما فعل لا يكتفي، إن أول كتاب اشتريته كان شيئاً رائعاً وكذلك الكتاب الثاني والثالث، لكن عندما يكون المرء مثل سورين ويملك 2748 كتاباً ولا يزال يرغب بالمزيد تبدأ هنا الأنا تفقد السيطرة على نفسها وبدل من أن تبني ذاتها تفتح هوة كبيرة لها يصعب غلقها أو ردمها، كتاب بعد آخر تتسع الهوة أكثر وأكثر، كتاب واحد لم تعد تكتفي به ولا يعطيك شعوراً بالرضا أو الشبع، يبدأ المرء يراهن فيوظف كل طاقته ليركز على عمله يضع كل قوته وطاقته على عمل ما وبشكل دائم وأبدي يعمل وكأن عصا واقفة فوق رأسه تحثه على ذلك، لا يرغب في التوقف أبداً، إن ذلك الذي يحصل عليه المرء أو يحققه ويصل إليه لا يقتنع به ويرغب بالمزيد أكثر، كل ما حصل على شيء صعد إلى خطوة بعدها ويرغب بالمزيد، أنت تركز اهتمامك وتغامر بكل طاقتك لترى جميع الأفلام السينمائية الجديدة ثم تلتقي بشخص ما يكون قد رأى أفلاماً أكثر منك بكثير.
إذا ركزت على الجمال يقول سورين يمكن أن تكون متأكداً بأنك ستخسره وذلك لأن الجمال هكذا واسع وهَش وحساس وسريع الانكسار.