أنت هنا

قراءة كتاب أنصت إلى ذاتك

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
أنصت إلى ذاتك

أنصت إلى ذاتك

هذا الكتاب "أنصت إلى ذاتك" الذي ترجمته إلى العربية الكاتبة العُمانية أثمار عباس، هو عن معنى الحياة، لا أكثر ولا أقل عن لماذا نتوق لمعرفة معنى حياتنا؟

تقييمك:
5
Average: 5 (1 vote)
الصفحة رقم: 7

المرحلة الأولى

الحسيّة! تلك هي المرحلة الأولى
هنا لديك فلسفة حياة، تعلمك مفهوم: استمتع بالحياة... "
من كتاب" إما أو"سورين كيركيجارد.

الخطوة الأولى!

في مواجهة العالم

مستشفى داندريد تاريخ 10 مايو 1985 الساعة الواحدة وخمس وعشرون دقيقة، ولدت طفلة صغيرة خرجت لتوها من رحم أمها ووضِعتْ بحرص وعناية فائقة على بطن أمها، لحظات ثم بدأت الطفلة تتحرك وتتذمر بعض الشيء فتحت عيناً واحدة لتنظر، ثم بعد ذلك فتحت العين الأخرى، وفي حركة نصف دائرية حاولت الطفلة أن تدور برأسها وتحوله من جهة إلى أخرى لترى ما حولها، ثم بدأت تتململ على نحو أخرق وتقوم بمحاولات حمقاء بالبحث عن شيء ما وقليلاً قليلاً عثرت عليه، إنه صدر أمها، ثم بدأت تمص الحليب وترغرغ.
إن بحث الإنسان وسعيه وراء معنى الحياة بالتأكيد أول شيء يبدأ به، هو"الإحساس" والإحساس آتٍ من حسيّة الجسد، ليس بوسع الإنسان أن يكون موجوداً بدون جسده، والجسد له احتياجاته وبدون تلك الأشياء الواقعية، الملموسة لا يمكن للجسد أن يكون، لا يستطيع أن يكون أو يتدبر أمره هكذا من الفراغ، لا يمكن للجسد أن يحيا ويعيش بدون تلك المادة الملموسة أبداً.
عندما يولد طفل ما في الدنيا فإنه لا يبحث عن حقيقة الحياة فقط، بل هو يبحث أيضاً عن أي شيء ملموس محسوس يحسه وأقرب شيء يلمسه هو صدر الأم، إن صدر الأم يعني الحليب وبالتالي معناه الحياة، الأم والأب معناه الأمان، لعب الأطفال والمكعبات معناه العلم، المعلومات والتعلم.
نظرة إلى الطفل في محاولاته للنهوض من أحضان والديه لمواجهة العالم، إنه يحاول الخروج تدريجياً وببطء شديد يبدأ يلاحظ الأشياء من حوله، تماماً كالرحال المستكشف في رحلته الاستكشافية يبدأ بمراقبة الأشياء محاولاً التعرف عليها وفي كل محاولة يجرب التمييز بينها ليقوم بفهمها واستيعابها:
-إن تلك الأشياء التي يتكرر مرورها من أمامي كل يوم، ماذا يمكن لها أن تكون؟ يتساءل الطفل دون كلمات وعندما ينظر إلى يديه أي اكتشاف مدهش يتوصل إليه وأي شعور رائع بالارتياح والرضا عندما يدرك أن هذه اليد هي يده هو، ثم تأتي بعد ذلك الخطوة التالية ويتساءل:
-لدي يد، كيف يستخدم المرء هذه اليد؟ وذات يوم تتعرض يده عن طريق الصدفة للإمساك بشيء ما دون أن يعرف، أو ربما يضع أحد والديه شيء ما في يده فيدخل هنا في مواجهة شخصية خاصة، فيأتي الفهم:
-آه.. يمكن لليد أن تمسك بالأشياء!. ثم بعد فترة يأتي الاكتشاف المذهل الآخر فيدرك الطفل من نفسه:
-هكذا إذن، أنا أستطيع أن أمسك الأشياء بيدي وأن أتركها أيضاً! ثم يجرب مرة بعد أخرى ويمسك بالأشياء ويتركها لتسقط من يده مراراً وتكراراً، إن هذا هو مجرد معنى الحياة بالنسبة إليه في تلك الفترة.
ما معنى أن يسافر شخص لأول مرة في حياته لزيارة بلد ما على سبيل المثال إلى لاوس أو كازاخستان مقارنة بلحظة خروج الطفل من رحم أمه ويواجه العالم الخارجي لأول مرة، إن لحظة اكتشاف المسافر للبلد أو الأمكنة التي يزورها لأول مرة أو يزور جبالاً بعيدة أو يمر على أنهار جديدة أو وديان نائية، إن اكتشافه ذلك لا يُشكل أي معنى أمام لحظة اكتشاف المولود الخارج حديثاً من رحم أمه ولحظة اكتشافه للعالم، إن لحاف القطن الذي يلف به جسد الطفل يبدأ يتحسس جلده، ملمسه أو عندما يشم رائحة لم يعرفها من قبل أو حين ينصت إلى الأصوات فهو يستمع إلى جميع الأصوات في بداية الأمر وكأنها مختلطة، متداخلة ببعضها لا يمكنه التمييز بينها ولا يعرف كيف يميز بين صوت أبيه وصوت أمه، لكنه بعد فترة يستطيع التمييز بين الأصوات ويبدأ بتمييز صوت أمه عن صوت أبيه، أصوات أشقائه عن أصوات العصافير، صوت المذياع عن صوت محرك المركبة، وهكذا يستمر طوال الوقت في حالة اكتشاف دائم للعالم، إن تلك الأحاسيس الفريدة والإثارة الحسيّة التي تواجه الطفل بدءاً من ملمس القطن إلى الروائح التي يشمها إلى استماعه للأصوات، كل تلك الاكتشافات والأشياء الجديدة التي تسترعي ان تباهه وتسحبه انتباهه وتسحبه من عالمه المرتبط بأمه إلى داخل نفسه وتجره إلى عالم "الأنا" الخاصة به، وعندما يصبح الطفل مع نفسه أمام هذه الأشياء الموجودة خارج نفسه يشعر بالافتتان ويبتهج لها وبهذا يتحول بعد أن كان طفلاً وماما- فقط والعالم الخارجي ممثلاً بالاكتشافات الخارجية إلى أم وطفل و – أنا والعالم-.
إذا بدأ شخص ما بالبحث عن معنى حياته، حسبما يرى سورين فينبغي عليه أن يبدأ من هناك من المرحلة التي بلغها، أي ليبدأ من احتياجاته، ما الذي يحتاج إليه في هذه اللحظة، وحتى في أعمق لحظات بحثه، لم ينكر سورين الأساليب الأخرى الهامة التي تشكل أساس بحثه وهي الاحتياجات، وقد أكد سورين أن اكتفاء الإنسان وسد احتياجاته هي التي تجعله يشعر بالرضا والطمأنينة، إن إشباع احتياج الإنسان يجعله سعيداً في حياته، فالإنسان يأخذ متعته من الأشياء التي يحتاجها، ويؤكد كيركيجارد-ليس البحث عن المعنى من الحياة هو ضروري وهام فحسب- أن ما يحتاجه.. المرء ضروري وهام أيضاً، أينما وُجدت احتياجاته يكون موجوداً هناك، والذي يستمتع به، أينما تكون هذه الحاجة يكون موجوداً هناك، أي بمعنى أن ما أستمتع به أنا قد لا يجد غيري متعة فيه، الشيء الذي أحتاجه أنا قد لا يحتاج إليه غيري، كل شخص يوجد حيث احتياجاته، فالذي يعيش في قصر ولديه كل شيء يختلف عن ذلك الشخص الذي لا يملك شيئاً وبالتالي فاحتياجات صاحب القصر لا تشبه احتياجات ذلك الشخص الفقير، كل شخص واحتياجاته ومكانها، أينما تكون يكون هو، أين ما يكون هو تكون هي.

الصفحات