أنت هنا

قراءة كتاب في رحاب المسجد الأقصى

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
في رحاب المسجد الأقصى

في رحاب المسجد الأقصى

كتاب "في رحاب المسجد الأقصى" لمؤلفه د.

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
دار النشر: دار المأمون
الصفحة رقم: 1

هذه الخواطر والمقالات

تقديم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة على سيدنا محمد وآله وصحبه وبعد.
فما كنت أخطو خطوة على بلاط المسجد الأقصى وفي ساحاته إلا تملكتني خواطر جمة، من ورائي ومن بين يدي، ومن عن يمينٍ وعن شمالٍ، من فوق رأسي ومن تحت أخمص قدمي: وكان لهذه الخواطر مذاقات وطعوم، فمنها اللذيذ ومنها الشهي،ومنها المر ومنها الصعب المذاق، ولا أبالغ إذا قلت إنه كان لها ألوان، فمنها الشهي ومنها البهي، ومنها الأصفر الفاقع ومنها الأسود الحالك.
ولا زالت هذه الخواطر تتملكني إلى اليوم، وإن بعد العهد وصار وطء تلك الديار علينا حراماً محرماً.
ذلك أن بيني وبين تلك المدينة المقدسة مودة، وقد زرعت في القلب، منذ أن بدأ يرى النور منذ الطفولة الأولى، وظلت هذه المودة تنمو فيه كلما تجددت علائق الارتباط والاتصال المباشر.
وحول كلمة البلاط يقول أحد المؤرخين ”كثيراً ما أشارت الأشعار إلى فلسطين باسم البلاط، والبلاط لفظة لاتينية، استعارها الغرب من لفظة بالارتيوم“ (لي سترانج، فلسطين في العهد الإسلامي، ص96).
وعلى الرغم من أنني لم أتشرف بأن أكون من مواليدها، إلا أنني كأنني كنت كذلك، حينما هيء لي بأن أعيش في بعض دورها، حول حرم المسجد الشريف، أربع سنوات كاملات، كنت فيها أتلقى العلم في إحدى مدارسها العريقة. ومنذئذ وإلى يومنا هذا:
شهد الله لم يغب عن جفوني
لحظه ساعة؛ ولم يخل حسي
كما يقول أحمد شوقي عن وطنه، وقد حيل بينه وبينه، ونفي عنه إلى اسبانيا، أثناء الحرب العالمية الأولى.
واليوم، وقد صارت:
ترى عيني مرابعها
ولا تسعى لها قدمي
كما يقول شاعر أردني عن أرض فلسطين. وصارت لنا ذكرى وصار حديثنا عنها خواطر وآمالاً، فوق أنها صارت آلاماً وأشجانا، وصرنا نفكر بصوت عال ونحن نذكرها ونجيل النظر في حاضرها وحاضرنا، ومستقبلها ومستقبلنا، واليوم أحاول أن أقيد ذكرياتي حولها وخواطري نحوها، فيما يشبه الحديث مع النفس والحديث عن النفس في وقت معاً.
سنستخرج، في القسم الأول، مما في قاع ذاكرة الطفولة حول المسجد الأقصى ومسجد قبة الصخرة المشرفة وساحاتها، ثم نطالع ما حولها من فضاءات وفضائل، ونتشمم ما في أديمهما من روائع التاريخ ومعالم المجد والعراقة، ونقرأ ما سطر الشعراء والكتاب في أحوالهما من نديّ العبر وساخن العبرات.
ثم نضيف، في القسم الثاني، المقالات التي سمعناها على أديم الصحف والمجلات منذ أواسط الثمانينات، قد دارت كلها حول مدينة القدس والمسجد الأقصى في التاريخ الإسلامي عامة وعصر الحروب الصليبية خاصة، وحول مجموعات شعرية أدارها أصحابها حول مدينة القدس والأقصى.
إن هذه الخواطر والمقالات، لم تنشأ لتكون إسهاماً ثقافياً يضم إلى غيره في الجهود التي أعدت بمناسبة الاحتفال بالقدس عاصمة للثقافة العربية في هذا العام، 2009م.
فالقدس، بعد أن عشنا فيها بضع سنين عاشت فينا منذ ما يزيد على الستين عاماً، وصارت جزءاً لا ينفصل من تفكيرنا وأفكارنا وواقعنا وأحلامنا. فقد شرفنا الله تعالى بأن رأينا النور في إحدى ضواحيها الغربية في منطقة باب الواد، على طريق يافا، فعرفناها أطفالاً بأحلام الصغار، ثم تعلمنا في إحدى مدارسها القديمة الساهرة- ولم تزل – على بال الساهرة، فتوثقت علاقة القلوب بأروقة المسجد الأقصى ومحرابه وجنباته وساحاته وبمسجد قبة الصخرة المشرفة وهندسته الحسية والروحية، حتى غدا جزءاً منا، لا ينفصل عنا، وازداد ترسخاً وعلوواً حينما أبعدنا عنه
فتلفتت عيني، فمذ خفيت
عنّي الطلول، تلفت القلب
وصرنا نسمع ونرى أن أهالي مدينة بيت المقدس صاروا لا يستطيعون أن يؤدوا في مسجدها شعائر صلاتهم اليومية! فضلاً عن أشكال الحفر حول المسجد وتحته، والكيد له والتغول في اقتحامه والتهديد باقتسامه تمهيداً لتنفيذ مكايدهم الكبيرة فيه.
وفي البعد ومع السنين صرنا نقاتل عن المسجد الأقصى بالأيدي، التي ليس في يدها إلا الأقلام، فقصَدّت القصائد ودبجت المقالات، ثم أضيفت أحاسيس الذكريات وخواطرها ومعالم صدى السنين. وها نحن نهتف للمسجد الأقصى عن بعد.
إنما الأقصى عقيدة
ليتني كنت شهيده
ونقول مع القائلين في العواصم العربية- وما أكثر القائلين – نقول معهم ولا نبرح مكان الهتاف: بالروح، بالدم، نفديك يا أقصى! وصدق الله العظيم في قوله للناس من أهل المدينة المنورة من المهاجرين والأنصار: (وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ) الأنفال: 7.
وتبقى الشهادة في سبيل الله، التي ظفر بها المدافعون عن المسجد الأقصى، هي العمل الأروع، أما وأننا لم نستطع أن نكون منهم فلا أقل من أن نقدم هذه الخواطر التي عشناها في ظلال المسجد الأقصى ومسجد قبة الصخرة المشرفة.
ربنا! فاجعلها، شيئاً مما يمكن أن يكون في حسناتنا يوم القيامة، فقد دعوتنا لمثل هذا في قولك: (تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) الصف: 11، وكنا أفقر من الجهاد بالأموال وأحقر من الجهاد بالنفس.
آمين يا رب العالمين
وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

الصفحات