أنت هنا

قراءة كتاب دروب المنفى (5) أين بقية الحكاية؟

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
دروب المنفى (5) أين بقية الحكاية؟

دروب المنفى (5) أين بقية الحكاية؟

وجدت في مجلس عرفات عدداً من الذين أعرفهم ومنهم سعيد حمامي، الذي غدا من المقربين جداً إلى الزعيم، وحين دخلت قدمت فتوح ليدخل قلبي ثم تبعته، فهل أدرك عرفات ما توخيته حين لم أجئ بمفردي؟ ليست أدري.

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 9

لم يكن معين بحاجة إلى من يحثه على الكتابة ضد أي نازيين، فتجند للمهمة بعزيمة، وكتب مقالاً ضد البروفسور النازي، وضم المقال بالتعبير عن أمله بأن تمتد يدٌ تلقي القبض عليه وهو يعبر حدود سورية وتعيده إلى بلده· ووصف معين الولع بالنازيين الجدد بأشنع الأوصاف وشتم المولعين بهم·
ومع الضجة التي أثارها مقال معين، معها فقط، عرفنا ما كتمه عنه صديقه الملحق الثقافي· فالبروفسور النازي لم يكن قادماً إلى سورية من تلقاء نفسه، بل تلبية لدعوة رسمية· والذي وجه الدعوة إلى البرفسور كان هو الدكتور ابراهيم ماخوس، رجل قيادة حزب البعث النافذ نائب رئيس الحكومة وزير الخارجية، وليس أحداً غيره، وماخوس هو الذي وضع الأمر أمام القيادة في هذا النحو: الثورة جريدة جكومية فمن الذي يحدد خطوات الحكومة في السياسة الخارجية، صحافي ليس حتى عضواً في الحزل الحاكم أو مواطناً من موظفي البلد أم وزير الخارجية·
وهكذا، وجد معين نفسه خارج الصحافة السورية، عاطلاً عن العمل ومفلساً فضلاً عن أنه كان مثقلاً بالديون· ولو لم يكن لمعين معجبون به بين قادة البعث وللو لم يكن صديقه ورئيسه في العمل محمد اجندي شجاعاً ووفياً لربما لحق به أذى أشد·
البطالة، والخسارة المفاجأة للمنصب الرفيع وامتيازاته المادية والمعنوية، وشماتة الشاميين الكثيرين جعلت المتوتر المزمن كتلة هياج فصار علينا نحن أصدقاءه أن نجند أنفسنا لتهدئته والتسرية عنه· وقد أججت هياج معين إشاعةٌ قال مروجوها إن الشاعر المقهور توجه إلى الكويت والتجأ إلى أحضان أُمراء النفط· ولكم تأذى معين من هذه القرية الظالمة!·
وها أنا ذا أتذكر واقعة بطلها معين المهتاج· فقد كنّا نسهر في حديثة مطعم صيفي في وسط البلد اسمه كازينو الصفا، فقدم إلى مائدتنا بعثيّ فلسطيني هو المهندس عاصم خليفة· وكان عاصم المحبّ لمعين قادماً لتوّه من مكان سمع فيه الإشاعة واستاء ففوجئ بوجود معين في الحديقة، الوجود الذي يدحض الإشاعة، فشاء أن يعبر عن تقديره لمعين غير عادف بالطبع بمزاجه· وقد أخطأ عاطم الوصيلة، فبدأ وهو واقف إزاء معين في هذا النحو: قيل لي إنك/ ميت نفسك في أحضان أمراء النفط··· وأراد أن يكمل· غير أن معين الذي لم ينتبه إلى أن محدّثه إنما كان يسخر من مروجي هذا القول انفجر في وجه عاصم وقاطعه وقال على مسمع من الحشد الذي يكتظ به المكان الفسيح: اسمع يا كلب المخابرات، أنا معين بسيسو، كرابيج عبد الناصر ذاتها لم تذلني فأنا لا أخشى كلاب السلطة البعثية وتلبست الحالة معين فأمعن في شتم السلطة بأشنع عبارات وأجهر صوت ولم يأبه بمحاولات عاصم إيضاح موقفه الحقيقي· وفيما معين ممعن في الشتم، أخذ المحتشدون في المكان يرجونه واحداً إثر واحد وجماعة إثر جماعة حتى خلا إلا منا نحن المرغمين على البقاء إلى جانب صديقنا· وبالرغم من خلوّ المكان وانصراف عاصم ذاته يائساً وساخطاً، لم يتوقف معين إلا بعد أن أفرغ مخزونه كلّه، وعندها عاد إلى نفسه وسألني، أنا المعدود عنده خبيراً بسلوك الحكام البعثيين: هل تظن أنهم سيحبسونني؟
لم يحبس معين، إلا أن بقاءه في دمشق صار متعذراً بعد أن انسدت فرص العمل· والمدهش أن معين ذهب بعد هذه الواقعة إلى الكويت فعلاً، لم يذهب إلى حضن أي أمير وما كان لأمير نفط أن يحتضن شاعراً شيوعياً لا يخون الشيوعية، بل ذهب إلى شقيقه عادين الذي يعمل هناك والذي اعتاد أن يقيل عثرات أخيه الشاعر كلما تعثر· ومن الكويت إلى موسكو، في واحدة من الزيارات المتواترة لعاصمة بلد الاشتراكية الأول، وهناك، التقى معين صديقاً قديماً له هو مراد غالب سفير مصر لدى الاحاد السوفياتي· ومراد الذي كان يحتفظ بعلاقة طيبة مع رئيس تحرير الأهرام محمد حسنين هيكل هو الذي توسط لمعين وأمن له عملاً في الجريدة العربية الكبيرة، فانتقل معين إلى الإقامة في القاهرة ثم لحقت صهباء والأولاد به وبدأت الأسرة مرحلة جديدة أخرى من مراحل تطوحها على دروب المنفى·
لم أتعفف عن انتقا سلك أو غيره لمعين ولم يخل الأمر في أي وقت من سلوك أنتقده· وكثيراً ما عارضت رأياً أو غيره من آراء صديقي هذا، بل جاء وقت كدنا فيه نتخاصم· إلا أني تمتعت برفقة معين، وظللت أتمتع بلقاءاتي معه بعد أن بارح دمشق· وإلى المتعة، تعلمت من معين أشياء كثيرة· كان الشاعر الذي يكبرني باثنتي عشر سنة أغنى من تجربة وأشدّ حرارة في التعاطي مع الحياة، وكان من الطبيعي أن أتأثر به· ولك أن تعرف أني تعلمت مما اعترضت عليه في سلوك معين بمقدار ما تعلمت من إيجابياته، وربما أكثر·
ومعين هو الذي وصلني بناس الحركة الوطنية في قطاع غزّة بأكثر مما فعل أي غزاوي آخر حتى ذلك الوقت· وعبر معين عرفت واحداً من شيوخ الحركة الوطنية التقدمية وهو حمدي الحسيني عندما جاء إلى دمشق زائراً كما عرفت كثيرين من أفتى شبانها·
تابعت ما يجري في الأرض المحتلة عبر وسائل الإعلام وروايات الوافدين منها، وكان لمعين الفضل في تعريفي بأوائل الوافدين، وعرفت بما لا بدّ من أنك صرت تعرفه، وهو أن المقاومة المبكرة نهضت أول ما نهضت في قطاع غزة· سبق القطاع الضفة، خصوصاً في المقاومة المسلحة· أخذت المنظمات السياسية المبادرة· لقد كانت في القطاع عندما داهمه الاسراذيليون وحدات من جيش التحرير الفلسطيني فقاومت الغزو الإسرائيلي كما قاومته الوحدات المصرية· وعندما حلت الهزيمة وانسحب المصريون، انفرط عقد وحدات جيش التحرير لكن نثارها بقي وتمثل في مجموعات مسلحة شكلت النواة التي رفعت السلاح في وجه المحتلّين· وبمبادرة من شوعيي القطاع، تشكلت فيه الجبهة الوطنية المتحدة، فرعت هذه كما رعى غيرها نشاطات المقاومة، السري منها والعلني·
ولأن جيش إسرائيل المنتصر كان في أوج قدرته على الفتك، ولأن سلطات الإحتلال عزمت على اجتثاق المقاومة أياً كانت الوسيلة، فقد اتقد صراع ضارٍ استقتل فيه الطرفان: المقاومون ووسائلهم القليلة وخبرتهم الغضّة؛ وجيش الاحتلاف وآلة فتكه الرهيبة· هذه المقاومة المبكرة للإحتلال هي التي حملت للمهزومين الوعد بأن المنتصرين لن يتمتعوا أبداً بالرتحة أو الإستقرار· وفي تعجلها تصفية المقاومة قبل أن تتصلب نواها المسلحة وتتحد، لجأت إسراذيل، مع وسائلها الأخرى ، إلى الأجزاء الذي لم تكف عن اتباعه، فراحت تبعد أي نشيط تتصور أنه من قادة المقاومة إن لم تعتقله أو يبتعد هو بنفسه حين تضيق عليه حلقة المطاردة· وبين أوائل الذين لوحقوا فخرجوا من غزة اثنان من قادة حزبها الشيوعي، حزب معين، هما عطية المقداد سأبو طلعت وعبد الرحمن عوض اللّه أبو حيدر
جاء المبعدان دمشق ليلقيا زميلهما في قيادة الحزب· وقتها لم تكن موارد معين التي يتفنن في تبديدها قد هيأت له أن يستأجر منزلاً مستقلاً فكان يقيم ومعه أفراد أسرته في منزل عديل له، فاستضفت أنا زميليه في منزلي وسعدت بذلك· وبهذا، بدأت صلاتي الشخصية بنشيطي العمل الوطني في قطاع غزة·

الصفحات