لم تعد الدراسات في اللغة وآدابها منفصلة بعضها عن بعض مثلما صار الامر اليه بعد الجهود المضنية لوضع اللغة بمعزل عن الادب فقد آل الامر لهما ثانية الى نحو مابدأ موسوعياً عند الغرب بفضل اعتماد النقد الادبي المعاصر اعتماداً كبيراً على اللغة علومها في دراسة الادب
أنت هنا
قراءة كتاب بحوث في اللغة والأدب
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
الفصل الأول
الحركة وسيلة من وسائل الاتصال غير اللغوية
تعد اللغة أفضل أداة اتصال بشري ابتكرها الإنسان، ويستطيع الإنسان الاتصال بأفراد مجتمعه اللغوي بها أو بإشارات غير لغوية، وان كان علم اللغة كما يعرفه علماء اللغة والالسنيون هو العلم الذي يدرس نظام الاتصال اللغوي بين بني الإنسان دراسة علمية، أو العلم الذي يدرس نظام الاتصال اللغوي بين البشر بما يسمى الإشارات اللغوية (les signes linguistiques) فان علم الإشارات (la sémiologie) هو الذي يدرس نظام الاتصال بالإشارات غير اللغوية ونقصد بذلك: الحركات المقصودة والطقوس والمذاهب الرمزية كصيغ المجاملة والإشارات العسكرية والإيماءات والاتصالات اللاسلكية والهاتفية والإشارات البحرية والمرورية والإشارات الأخرى او المسموعة نحو: صافرات الإنذار وأجراس الكنائس والمدارس والمعامل وغيرها كما اشرنا في الفصل السابق.فاللغة لا تنفرد وحدها نحو ما هو معروف "باستعمال الإشارات التحكمية الاعتباطية كما يقول التهامي" بل أنها توجد في كل ما يقوم بمهمة التبليغ، فالألوان من احمر وازرق واصفر واسود وابيض والإشكال من دائرات ومثلثات ومربعات والخطوط الغليظة والرقيقة المتتابعة منها وغير المتتابعة لتكون في قانون السير وفي الخرائط ورسوم المشاريع إمارات تحكمية". فاللغة نظام من المعاملات الذي يعبر عن الأفكار، ولذلك فهي مشابهة لنظام الكتابة الأبجدية للصًم.
ونظرا لطول الحديث وكثرة تشعباته نرى من الأفضل في فصلنا هذا التأكيد على دراسة الحركة (le geste) والإيماء بوصفهما وسيلتين من وسائل الاتصال غير اللغوية لأن جزءا من كلام الناس يمكن أن يتحقق بمفعولهما نحو ما في أسطورة (بيرام وثيبة) فقد كان لقاؤهما يتمبالإيماء والإشارة. فالحركة في العرف العام: انتقال الجسم من مكان إلى أخر، أو انتقال أجزائه كما في حركة الرحى. فكلمة حركه أي: أخرجه عن سكونه، وما به من حراك: أي حركة أما الحركة (legeste) كما جاء في دائرة معارف لاروس فتعرف بحركة الجسمولا سيما اليد والذراعين والقدمين والرأس والتي تكون غير دالة أو ذات دلالة معينة.
وقد أطلق سعيد علوش على الحركة مصطلح البدنية وعرفهما بقوله: "مصطلح يميز الفاعل، عامة، أو الشخصية في تموضعها بالبعد البرغماتي للخطاب".
والعمل البدني أما برغماتي حين يحيل على نشاط جسدي مبرمج وأما تواصلي حين يقبل الجسد الإنساني أن يدل بإشارات ومواقف. وقد أطلق الجاحظ (ت 255هـ) مصطلح الإشارة على الحركة فقال "الإشارة فباليد، وبالرأس، وبالعين، وبالحاجب والمنكب، إذ تباعد الشخصان، وبالثوب وبالسيف وقد يتهدد رافع السيف والسوط، فيكون ذلك زاجرا، ومانعا، ورادعا، ويكون وعيدا، وتحذيرا.
والإشارة واللفظ شريكان، ونعم العون هي له ونعم الترجمان هي عنه وما أكثر ما تنوب عن اللفظ، وما تغني عن الخط، وبعد فهل تعدو الإشارة أن تكون ذات صورة معروفة وحيلة موصوفة على اختلافهما في طبقاتها ودلالاتها. وفي الإشارة بالطرف والحاجب وغير ذلك من الجوارح مرفق كبير ومعونة حاضرة، في أمور يسترها بعض الناس عن بعض ويخفونها من الجليس وغير الجليس. ولولا الإشارة لم يتفاهم الناس معنى خاص الخاص ولجهلو هذا الباب البتة. ولولا أن تفسير هذه الكلمة يدخل في باب صناعة الكلام لفسرتها لكم.
وقد قال الشاعر في دلالات الإشارة:
إشارت بطرف العين خيفة أهلها
إشــارة مــذعــور ولم تتكلم
فأيقنت أن الطرف قـال مـرحبا وأهـلا وسـهـلا بالحبيب المتيم
وقد ورد استعمال الرمز في القرآن الكريم بمعنى الإشارة إذ قال الله سبحانه وتعالى: "قال ربي اجعل لي أية قال آيتك أن لا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا واذكر ربك كثيرا وسبح بالعشي والأبكار".
وتعتمد الرموز على حواس الإنسان لأنها طابع جوهري لنشاطه الفعلي، وقد ذهب تمام حسان إلى أنها "تنقسم إلى ما يساويه عدد الحواس الإنسانية. فهي إما:
1. لمسية
2. ذوقية
3. شمية
4. سمعية
5. بصرية
فالرمز اللمسي كل ملموس له معنى خاص، فإذا تكلمت عن فلان الجالس بالقرب منك وأنت لا تراه، فان صديقك الذي يستمع إليك ويراه دونك سيغمزك، وستفهم أنت معنى الغمزة وان معناها بالتحديد هو التحذير من الاستمرار في الكلام، لان هناك شخصا يمكن أن يسمعه، ولا ينبغي لك أن تدعه يسمع ما تقول. وإذا دخلت من باب منزلك فاستقبلك طفلك عند الباب فرحا بقدومك فتعلق بك فتربت على كتفه، أو تمسح بيدك على شعره، وسيفهم هو بدوره من الربتة أو المسحة انك تحبه وتعطف عليه وإذا شاركت صديقك في ضحك لأمر معين فضربت بيدك على كتفيه في أثناء الضحك فسيفهم من ذلك زيادة درجة استمتاعه بالضحك وقوة مشاركته لك من الناحية الوجدانية في الظرف الخاص، وإذا ضربت إنسانا على قفاه، فسوف يفهم من هذا الضرب معنى المداعبة أو معنى الإهانة حسب اعتبارات اجتماعية".