أنت هنا

قراءة كتاب الموروث الثقافي في الأدب العربي الحديث - الروائي حنا مينة نموذجا

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الموروث الثقافي في الأدب العربي الحديث - الروائي حنا مينة نموذجا

الموروث الثقافي في الأدب العربي الحديث - الروائي حنا مينة نموذجا

لقد مثلت الرواية في العالم العربي إحدى سمات الفكر والتصور العربيين، إذ مثلها مثل الروايات العالمية، ساهمت في نقل التجربة العربية الإنسانية إلى العقل الإنساني رغم حداثتها مقارنة مع العالمية، ولقد أرجع النقاد تاريخ ميلادها إلى فترة1914 حيث ظهرت أول تجربة تمثل

تقييمك:
5
Average: 5 (1 vote)
دار النشر: دار المأمون
الصفحة رقم: 7

هل يمكن أن ينسى المبدع، وقد ظلت طفولته حاضرة ؟، ها هو يصور وبمرارة وجوه الفلاحين وهم يكدحون ويضربون، إنه أحد أبناء هؤلاء الجوعى الذين حملوا على مر الأيام همّ الفقر ومأساة التنكر، لقد كانت الأرض للأسياد، وكان للفلاحين التعب والشقاء ما فتئوا يلملمون إحباطاتهم وينكفئون على ذواتهم يجترونها، والأدهى أنه يصور حالة مزرية، ولكنها قائمة لا تتبدل في نفوس هؤلاء الفلاحين . إنهم لا يفتأون وبسخرية لاذعة ينقلها المبدع _يوشون ببعضهم البعض، أي أنهم يزيدون همومهم هموما بهذا العمل الحقير، وكأني بالكاتب _و هو الذي يحرك شخوصه كما يحرك لاعب الشطرنج
بيادقه_يقول لهم :حسبكم همكم الذي أنتم فيه .. إنه بلا شك يحمل معاناة كبيرة وهي دلالة واضحة على القلق الذي يركد فيه هؤلاء الضعفاء، ومع ذلك فالحقد واضح بجلاء على هؤلاء البرجوازيين، والبديل غير موجود، ولكنه مؤجل الحصول من خلال بعث الروح في الناس كي يناضلوا وينصفوا أنفسهم، إن هذه البنت التي هي أخت للبطل ذكية، فيها نفس الإنسان حركها الكاتب وجعلها تتعاطف وتثور، فانتقلت من سلبية الإنسان إلى إيجابية الإنسان، ورفضت أن تهان كرامة عجوز من عمال والدها . كل ذلك ومثله تذكر وقائعه الكاتب بجميع أحداثه التي عاينها في صباه وانطوى عليه وأخرجه العمل الروائي "إن لعملية التذكر وقعا خاصا في نفسي وإنني أحن إلى الماضي . وقد يكون هذا الحنين صحيحا، فالمرء نسيج من خيوط حياته التي يعرفها ويحبها ويتذكرها "(39).
ومع ذلك يمكننا أن نقول إن المبدع تمكن أن يحقق لذاته وفي نفس الوقت لذتنا وأن يحرر المسألة من التجرد والتحقيق "(40).
إن نظرة حنا مينة للمجتمع تظهر من خلال الوجوه التي تتزاحم يوميا على طلب القوت، متصارعة مع سلطة القهر الممارسة من طرف الملاكين، ويتجلى ذلك في كلتا الروايتين، ففي الياطر يصور الكاتب صراع الفقراء على لقمة خبزهم، صراعا يتجاوز حدود المأساة، إذ ينقل لنا محاولاتهم الدائبة للإيقاع ببعضهم في فخاخ الملاكين بدلا من التعاون، وتلك قمة المأساة متولدة عن الجهل والخوف .
_لا .. هذا كله لا قيمة له .. كان في جوفه ذهب وماس..
قال لي الصيادون فيما بعد:
"أنت مجنون يا زكريا .. أعطيت زخريادس كل ماكان في جوف الحوت .
_ وماذا في جوف الحوت يا إخوتي ؟
_أشياء كثيرة!
_السمك ؟البطرخ؟الأمعاء؟.
_ذهب وماس؟.
_وخواتم وأساور وعقود..
_حذرتهم :
إياكم إياكم لا تتلاعبوا بي .. لا تخدعوني، من أين للحوت الذهب والماس والخواتم والعقود؟.
قال عجوز فيهم: الحوت يا زكرياء يقطع المحيطات.. يتبع البواخر، يهاجم الأحياء، يأكل الغرقى، وتأمل.. الذين يسافرون غالبا من الأثرياء .. والذهب في جيوبهم والحلي في أعناقهم وسواعدهم
و معدة الحوت لا تطحن المعدن، تفرزه في كيس خاص، وعن هذا الكيس كان يبحث زخريادس، فهمت لقد خدعك اللعين، ضحك عليك"(41).
إن حنا مينة يذهب بنا بعيدا في تتبع الأثر حتى يترك للقارئ فرصة تجعله يشكك في مصدر الخبر أو انقطاعه، إنه دقيق جدا، حريص أن يجعلك مقتنعا بما طرحه كأنه حقيقة ماثلة لا تحتاج إلى تأويل، وتتسرب في كل ذلك الذات لتفرز قراراتها بالتهكم تارة واليقين أخرى، فهؤلاء الصيادون حريصون مثلهم مثل الفلاحين في رواية الشمس في غائم، كلاهما غارق في أوهامه، والكاتب يريد منهم أن ينهضوا "إننا نرى في النجربة عوامل القطع الذاتية المتصلة بالبطل، أو بامرأة القبو، والموضوعية المتصلة بحقيقة الآخر والوطن.

الصفحات