أنت هنا

قراءة كتاب الموروث الثقافي في الأدب العربي الحديث - الروائي حنا مينة نموذجا

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الموروث الثقافي في الأدب العربي الحديث - الروائي حنا مينة نموذجا

الموروث الثقافي في الأدب العربي الحديث - الروائي حنا مينة نموذجا

لقد مثلت الرواية في العالم العربي إحدى سمات الفكر والتصور العربيين، إذ مثلها مثل الروايات العالمية، ساهمت في نقل التجربة العربية الإنسانية إلى العقل الإنساني رغم حداثتها مقارنة مع العالمية، ولقد أرجع النقاد تاريخ ميلادها إلى فترة1914 حيث ظهرت أول تجربة تمثل

تقييمك:
5
Average: 5 (1 vote)
دار النشر: دار المأمون
الصفحة رقم: 9

إنه يلبس وبعمق شخصية الخياط المعلم، يحيلها نافخا تنفخ فيه روح القوة، والتحدي، هكذا يحلم، وهكذا يحكي، إنها سيرته عبر مراحل متعددة، والسيرة"حكي استعادي نثري، يقوم به شخص واقعي عن وجوده الخاص، وذلك عندما يركز على حياته الفردية، وعلى تاريخ شخصيته"(50) .
إنه يقرر البدء، ويقرر أيضا إعلان تحديه على لسان الخياط وتنساب المتعة الكتابية، فيكشف لذتها، ويمارسها بعنفوان، وتمهد له طرق التخيل، ونراه يقول ذلك صراحة"ولست أخشى على عذرية المتعة ودهشة الاكتشاف، وبكارة الجدة، وبراءة التخيل في المطالعة حدها في الكتابة أيضا، وقبلها في الحياة، هذه التي فقدنا طفولتنا إزاءها كفت عن إعطائنا نفسها، وصار النظر إليها بعيني كهل مأساة في التلقي والأداء"(51).
هذا هو"حنا" في مسيرته الإبداعية يمضي إلى أمام لكن قلبه وجميع حواسه راسية في ميناء طفولته، وهو يستنفرها في كل عملية مخاض أو ولادة. فالتخيل والانسياق وراءه لا ينفيان قطْعاً وجود تلك الصلة الحميمية بين الشخوص والذات المؤلفة، إنه حي، حاضر غائب، على حد قول فيليب لوغون:"ليس المؤلف مجرد شخص، إنه شخص يكتب وينشر، ولأنه متواجد خارج النص وفي النص، فإنه يعتبر صلة بين الاثنين، ويتجدد باعتباره شخصا واقعيا مسؤولا اجتماعيا، منتجا لخطاب في نفس الوقت"(52).
هو كذلك فعلا، شخص ينتج الآخر وينتج ذاته"يا ربي كم صارت نفسي الجبانة بغيضة إلي في تلك اللحظة! حقدت عليها لا على شكيبة، قهرتني شكيبة هزمتني. هزمني زوجها لكن هزمني قبله زخريادس ابن اليونانية، والكلب الذي نبح في الليل، هزمتني الدنيا قبل أن تهزمني شكيبة"(53).
إن العنصر الفاعل الذي يتكلم ويركز على المحور الذي يحرك النفس يزج بها في عالم الإبداع، يقحمها كي تتحلل من كيانها، فتثور سنوات الحياء مزهرة، وينتابه شعور الحسرة القاتل، لأنه ضعف في لحظة ما، لا لأنه جبان في قوته وشراسته، بل لأنه في أعماقه طفل حيا بخلق اتسم باحترام الناس حتى وهم غرباء.
هذا الذي يحيله حنا مينة، ويتمادى في رسمه في جميع اللوحات التي يصبغها بريشته كفنان متمرس، حاذق متطلع، راغب في التخلص من كل السلبيات والأوجاع المؤلمة التي تكررت في حياته، ومع ذلك ظل حريصا على الالتصاق بها متمسكا بدقائقها رغم ازورارها عنه، "لقد تعلمت منذ صغري أن أزداد التصاقا بالحياة كلما ازورت عني، أدخل فيها كلما أرادت وضعي على هامشها وأن أعيش بين الناس، فهناك يتبدد كل شعور بالأسى، وتنفتح لتقحم سبلٌ لم يكن يحسب حسابها"(54).
إننا إزاء هذين العملين حاولنا رصد بعض تأوهاته وأوجاعه، وقرأنا بعض ما كتب عنه، وفي ظلال السطور تخيم روحه، وتحدثنا، وتسمعنا أتعابه ولكن بلذة المنتصر الذي تخطى عقباته الكديدة الممتدة عبر مسافات طويلة لا يقهرها إلاّ صاحب نفس راغبة طموحة ترفض الانكسار، وتتخذ من الألم سبيلا للوصول إلى أعلى، حيث ترى نفسها.
هذا هو حنا مينة المبدع المتطلع، المتكرر في ثنايا إبداعاته، وكيف لا وهو الحلاق والبحار والكاتب والمدرس... إلخ، وفوق هذا الرحل الذي ترك نعيم أوربا ليصلى على جحيم البلد.

الصفحات