هذا الكتاب هو محاولة متواضعة لجمع تجارب امرأة عايشت الحرب في بغداد في وقت كانت فيه المدينة مستباحة للعنف والحرب؛ والموت يحصد مئة ضحية في اليوم الواحد.
أنت هنا
قراءة كتاب 700 يوم في بغداد
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
وصبيحة يوم من أيام شهر آب/أغسطس دوى انفجار بالقرب من مقر البعثة. حاولت الاتصال بالزملاء للاطمئنان لكن خطوط الهاتف مقطوعة كالعادة! فتحت التلفزيون ورحت أنتظر بقلق...ودخلت شروق وهي تجهش بالبكاء. ووصل الآخرون الواحد تلو الآخر ورووا قصصاً مروعة عن قتلى وجرحى في محيط وزارة الدفاع التي كانت تقع على مرمى حجر من مقرنا.
قالت شروق إنه في زحمة هذه الفوضى والدم السائل قام جندي عراقي على أحد الحواجز ضمن إطار التفتيش الجسدي بلمس نهديها.
ـ الحقير! السافل.. وكأنه لا يكفينا كل هذا الرعب والموت.
ـ يمكن أن تبلغي عنه لو أردت؛ قلت لها بسذاجة.
ـ ماذا؟ هل تعتقدين أننا هنا في بلد ديمقراطي يتمتع فيه المواطنون بكامل حقوقهم؟ قبل العدوان الأميركي كان الحكم في العراق ديكتاتورياً؛ قالت شروق. وقد لا يكون هذا أفضل أنواع الحكم لكن لا أحد كان يتعرض للنساء. كنا نذهب إلى الوظيفة من دون مشاكل؛ ونرفّه عن أنفسنا في المطاعم ودور التسلية ولا نعود إلى البيت إلا بعد منتصف الليل. كانت الدنيا أماناً، والنساء بأمان. الآن يجب أن نتبع قوانين المجرمين. الاحتلال سجننا في منازلنا وتركنا عرضة لهواجس كثيرة. نحن سعداء لمجرد أننا لم نقض في هذا الانفجار أو ذاك. أنا لست من المدافعين عن صدام حسين لكن يجب قول الحقيقة مهما كانت صعبة. الأميركيون وعدونا بالديمقراطية وأعطونا حكماً دينياً.
ـ لم يكن أحد يسأل إن كان المرء سنياً أم شيعياً؛ عربياً أم كردياً. النساء احتللن أرفع المناصب في مؤسسات الدولة. كنا كلنا عراقيون؛ أضاف علي متحسراً وهو مدرك تماماً أن حال اليوم يكاد يكون على نقيض ذلك تماماً.
فالانقسام السني ـ الشيعي قد بلغ حداً مخيفاً وبدا أن العراق يغرق إلى أدنى مستوى من العنف المذهبي. فتقارير الأمم المتحدة كانت تتحدث يومياً عن خطف مواطنين وتعذيبهم واغتيالهم استناداً إلى انتماءاتهم المذهبية. وطاولت الاعتداءات المساجد والحسينيات؛ وجرى تهجير العائلات من بيوتها والأحياء التي سكنتها لسنوات.
ويبدو أن الحادثة التي أججت هذا الصراع بين الطرفين هي انفجار سيارة ملغومة أمام مسجد الإمام علي في النجف عام 2003 والذي أسفر عن مقتل 85 شخصاً؛ من بينهم زعيم المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق آية الله محمد باقر الحكيم. واستشرى العنف بين مناصري القاعدة من جهة والذراع العسكري للمجلس الأعلى للثورة الإسلامية ـ منظمة بدر، من جهة أخرى. فما أن يفجر انتحاريون سنّة أنفسهم بين جماعات المصلين الشيعة حتى تبادر قوات بدر أو جماعة الصدر إلى خطف متعاطفين مع القاعدة أو حزب البعث والتنكيل بهم ورمي أشلائهم فيما بعد في سلات الزبالة على الطرقات.
في السنوات الأولى للغزو الأميركي كانت حوادث من هذا النوع تُواجه بدعوات إلى التعقل والمسامحة. فالخطاب السياسي يومها كان يشدد على الأخوة بين العراقيين ويلقي باللوم على عناصر خارجية كالقاعدة والاستخبارات الإيرانية. لكن الأجواء أخذت بالتشنج شيئاً فشيئاً بعد الانتخابات العراقية الأولى في كانون الثاني/يناير 2005. حينها حققت الغالبية الشيعية فوزاً ساحقاً مما حدا بالسنّة الذين كانوا قد قاطعوا الانتخابات، للتنبه إلى الخطر الشيعي الزاحف إلى البلاد مع عودة أحزاب المعارضة من المنفى.
ـ تاريخ العراق مليء بالعنف والدم، قال سرمد مستاءً. نعيش على الحروب والخراب ونتغذى بالدم والموت ؛ ولا تحلو لنا الحياة إلا هكذا.
وساد جو من الكآبة بين الزملاء. ربما هزّهم كلام سرمد فاستغرقوا في تفكير عميق في محاولة لتبيان مدى صحته. كنت أرتجف هلعاً لمجرد التفكير أن أحداً منهم قد يصيبه مكروه بسبب هذا الجنون المستشري الذي حوّل بغداد إلى مدينة أشباح وشبيحة!
ـ غداً يصادف ذكرى الإمام كاظم؛ والشيعة يحجون إلى ضريح الإمام إحياء لذكراه؛ وقد تشهد بغداد أعمال عنف وشغب؛ شرح علي.
ـ الله أكبر، هتفت بإعياء. لا تغادروا منازلكم لو سمحتم! التزموا الحذر!