هذا الكتاب هو محاولة متواضعة لجمع تجارب امرأة عايشت الحرب في بغداد في وقت كانت فيه المدينة مستباحة للعنف والحرب؛ والموت يحصد مئة ضحية في اليوم الواحد.
أنت هنا
قراءة كتاب 700 يوم في بغداد
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
بيتي... الرشيد
هجوم دموي ضد الرشيد عام 2003 أكسب هذا الفندق شهرة واسعة في العالم؛ إذ وقع الهجوم بينما كان بول وولفويتز؛ نائب وزير الدفاع الأميركي حينها؛ يستغرق في النوم في الطابق الثاني عشر من المبنى. لم يصب وولفويتز بأذى غير أن جنرالاً أميركياً قتل وأصيب خمسة عشر عسكرياً أميركياً بجروح. وقد تناولت وسائل الإعلام الغربية الهجوم بشكل واسع على اعتبار أنه يستهدف نائب وزير الدفاع علماً أن التحقيقات لم تستطع أن تثبت ذلك. وخلصت إلى أن الفندق تحول بعد الغزو الأميركي إلى مقر لجنود االتحالف؛ ومن الطبيعي أن يتصدر لائحة المواقع المستهدفة من قبل المتمردين ضد الاحتلال الأميركي.
بعد هذا الاعتداء الشهير بقيت طوابق الفندق الوسطى فارغة. فالجنود الأميركيون الذين تمترسوا على السطح لمراقبة المنطقة الخضراء من أقصاها إلى أقصاها؛ كانوا ينامون في الطبقات العليا التي تم إصلاحها واستحدثت مفروشاتها. أما الطبقات السفلى المخصصة لموظفي الأمم المتحدة فكانت مقززة لتراكم الأوساخ بين ثنايا الستائر والمفروشات الفاخرة. رائحة العفن كانت تملأ الغرف والنتانة المنبعثة من المماشي والجدران تصيبني بالغثيان. ولم تكن الفرش المفتتة الأوصال من الداخل والمخدات المشبعة برائحة العرق والموكيت الملطخ بالبقع اللزجة، والتي منعتني من المشي حافية القدمين طوال فترة إقامتي في الفندق؛ إلا لتزيد من اشمئزازي.
وباستثناء النقص الفاضح في النظافة العامة؛ كان الرشيد فندقاً مسلياً. فعند مدخل كل طابق كان يجلس جنديٌ مسلّح على مدار الساعة؛ بين يديه مفتاح واحد يشدّ عليه بأصابعه خوفاً من الضياع؛ ويفتح به كل الغرف بعد أن نكشف له عن بطاقة هويتنا. لم نكن نعرف ما إذا كان لهذا التدبير السوريالي طابع أمني أم أنه فرض علينا لعدم توافر المفاتيح!
وعلى سورياليته؛ فقد كان الجندي والمفتاح موضوع نكتة بين الزملاء الذين قرأوا «علي بابا والأربعين حرامي»، فشاع القول إن نسخة حديثة من الحكاية تعرض ليلياً في مماشي الرشيد.
وبين الطبقات العليا والسفلى سكنت أشباح بغداد!
كانت الأشباح تختبىء في الفرش الممزقة ووراء الأبواب المخلعّة. وفي الغرف التي تناثر زجاج نوافذها كانت تعصف الرياح الساخنة المحملة برمال الصحراء. أجواء شبيهة بأفلام الرعب. عندما استدرك دايف صبيحة اليوم الأول أنه كان الوحيد الذي نام في الطابق السابع أسرع إلى موظف الاستقبال أحمد ليحتجّ ويطالب بتغيير غرفته فوراً.
ـ أنا مستعد لأن انام مع العدو على أن أتقاسم الفراش مع الأشباح؛ قال دايف بجدية.
وأطلق أحمد ضحكة مدوية ووعد دايف بأن يتحقق من إمكانية استبدال غرفته بأخرى كما فعل لأجلي من قبل. وكان هذا وعد يستحق الشكر والمديح! فقد علمنا فيما بعد أن موظفي الاستقبال درجوا على إظهار المودة والاحترام دون أن يفعلوا الشيء الكثير. كان النزلاء يأتون إليهم بشكاوى متكررة: تارة التلفاز وطوراً الحنفية أو جهاز التبريد. أما إذا خرجت الأمور عن طورها فكانوا يقومون بإرسال المحتجين إلى المكتب المجاور الذي يحتله جندي من المارينز يقوم بادارة الفندق. غير أن الأوراق الخضراء كان لها فعل الساحر على عقول الموظفين العراقيين فيهبّون للمساعدة بحماسة قل نظيرها.
ـ أتقاضى 150 ألف دينار في الشهر؛ قال أحمد عندما سألته عن مرتّبه.
ـ كم بالدولار الأميركي؟ تساءل دايف.
ـ 100 دولار.
أصيب دايف بالذهول؛ ثم سأل أحمد:
ـ هل تستطيع أن تتدبّر أمورك بمرتب كهذا؟
ـ لا أزال أعيش مع أهلي. لكن هذا المبلغ لا يكفي لشراء الخبز.
ـ لماذا مرتباتكم منخفضة إلى هذا الحد إذن؟
ـ لأنها لم تُعدّل منذ زمن العقوبات. كنا نعيش دوماً على البخشيش عندما كان الرشيد يعجّ بالأمراء والسياسيين؛ قال أحمد.