أنت هنا

قراءة كتاب اليسار اللبناني وتجربة الحرب

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
اليسار اللبناني وتجربة الحرب

اليسار اللبناني وتجربة الحرب

"اليسار اللبناني وتجربة الحرب"؛ هذا الكتاب جزء من مشروع لدراسة تجربة الحرب في لبنان بوصفها حدثاً اجتماعياً شاملاً لا يقتصر على الأحداث السياسية العامة. الأحزاب بفكرها وتكوينها وممارستها الداخلية وجه من وجوه الحرب.

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 1

مقدمة

شكّلت «منظمة العمل الشيوعي في لبنان» ظاهرة مميزة في الحياة الوطنية. حملت فكراً سياسياً جديداً وقدمت وسائل نضالية خصوصاً، وعرفت نشاطية استثنائية أدت إلى حضورها كحركة سياسية على سوية الأحزاب التاريخية، ولعبت دوراً مهماً على مدى عقد من الزمن خلال الأزمة التي عصفت بلبنان.
كيف كان هذا الصعود الصاخب المدوي لحركة سياسية جديدة وكيف تلاشت تلك الحركة في ذروة الأحداث التي أعقبت الاجتياح الإسرائيلي للبنان وقد كانت طرفاً شارك في إطلاق المقاومة الوطنية؟
هذه الرواية النقدية لتاريخ المنظمة وتجربتها شغلتني لسنوات طويلة وأقلقت تفكيري وأثقلت عليّ حتى دفعتني إلى إعداد هذا الكتاب.
فمن جهة تستحق هذه التجربة من يتولّى روايتها ونقدها وهي اعتصرت عمر مئات الشبان والشابات فقضى بعضهم مستشهداً تحت راية أفكارها، وعاش بعضهم الآخر في خيبة ومرارة فتشرّد وعانى حالات التهميش والحصار وشظف العيش وعدم الاستقرار.
لم تقتصر الأزمة على المنظمة وحدها بل طاولت كل قوى اليسار بتفاوت للمسار وأشكال النهايات. لكن هذه الدراسة ستركز على تجربة المنظمة دون سواها مع الإشارات الضرورية لفهم الصورة كاملة خصوصاً بعلاقتها مع الحزب الشيوعي اللبناني أو الجماعات اليسارية الأخرى اللبنانية والفلسطينية التي تشاركت الكثير من عناصر التجربة. هدف الدراسة هو نقل تجربة جيل كامل وفهم دروسها كحاجة للاستفادة من هذه الخبرات. هناك الجانب الموضوعي من الصورة التي تتشارك فيها كل القوى السياسية التي تورطت وانخرطت في الحروب اللبنانية المركبة وهذا شأن مهم يتعلق بإكمال تناول وعرض عناصر الصراع ومجرياته وآلياته ونتائجه. يتعلق الأمر بتاريخ حقبة مهمة في لبنان ومحيطه.
أما الوجه الآخر فهو بعض من الوفاء للذين شاركوا في صناعة الأحداث ودفعوا أثماناً باهظة من جهودهم وأعمارهم وكانوا على اقتناع أنهم يؤدون مهمة وطنية وتقدمية وإنسانية. ولا جدال أنّ تلك التجربة انتهت إلى الكثير من الاخفاقات وعرفت الكثير من الأخطاء الكبيرة والصغيرة. لكن لم تكن بلا أثر على ما جاء بعدها من تطورات وأحداث ونتائج سنحاول تحديد طبيعتها.
فقد تحول الخارجون من المنظمة إلى حركة ثقافية تركت بصماتها على أكثر من صعيد.
أما الجانب المهم أيضاً فهو المعرفة التي يمكن تحصيلها من تلك «التجريبية» التي أحاطت نفسها بفيض هائل من «النظريات» وادعت مواكبتها للتاريخ الموضوعي وللفكر العلمي والعقلاني وهي أسيرة جملة مفاهيم وأفكار لم يثبت الواقع جدارتها في الحياة والانتصار، إما لقصورها وإما بسبب القوى التي حملتها. لقد كان العمل السياسي في تلك الحقبة مرهوناً لاقتراب الواقع من النظرة الأديولوجية، كما كان مرهوناً لعمل الأفراد الذين يستولدونه بعقولهم وإراداتهم وسلوكياتهم ويطبعونه باستعداداتهم الشخصية.
شخصياً لم تكن المرحلة التأسيسية (1974 - 1970) كافية لاكتشاف عيوب تلك التجربة وهي في معظمها فترة تضخم إديولوجي وصراعات فكرية لم تختبر في الواقع بل هي أقرب إلى أحلام الشباب وحماسته لتغيير الواقع. ثم لم أكن من النضج الذي يسمح لي حينها أن أرى ما أراه الآن أو لنقل منذ مطلع الثمانينيات. أما مرحلة الانخراط في صراع سياسي شامل وفيه الممارسة السياسية والعسكرية (1977 - 1975) فهي مرحلة قصيرة مثقلة بالدروس، وهي المحطة التي شكّلت وعيي وموقفي لاحقاً المعارض في العام 1979 وقد تخللها استقالتي من المسؤولية وانكفائي لأكثر من سنة خلالها ثم خروجي نهائياً منها عام 1982. أما النقد السياسي الذي أقوم به أو المراجعة فهي تشملني كما تشمل آخرين دون ادعاء قيامي بدور أساسي في تجربة لعب الأدوار الأساسية فيها عناصر سيرد ذكرهم على المستويات المختلفة الفكرية والسياسية والتنظيمية والعسكرية وغيرها. والخلاصة التي تنتهي إليها هذه الدراسة تظهر كيف اجتمعت السلطة في موقع واحد له عدة رموز وعناصر، وله آلية عسى أن نوفق في اكتشافها والكشف عنها.
أستطيع القول إنني خرجت من المنظمة عام 1982 لكنني لم أغادر العمل الوطني. أما العبرة فهي أنّ المنظمة تلاشت بين أعوام (1983 و1987) ولم تعد قائمة كحركة سياسية، أي أنّ ذلك يفسّر موقفي عام 1982. ففي عام 1987 استقالت آخر مجموعة من العناصر القيادية بصمت له دلالته ويجب الوقوف على أسبابه. فقد اقتنع هؤلاء بنهاية المشروع التنظيمي الذي جمعهم دون أن يعني ذلك اعتزالهم العمل السياسي.
أما السؤال الذي يلح عليّ وسأغامر في الجواب عليه هنا هو، هل كان لذلك «المشروع» من مكان في البلد بعد 1987 أو للتكيف مع المرحلة الجديدة؟ وجوابي أنه لو كانت الأوضاع الداخلية للمنظمة سليمة وصحية وفيها مناخ ديمقراطي فعلي ولدى أمينها العام الاستعداد والرغبة والارادة وربما القدرة على ذلك، لكانت وجدت لنفسها موقعاً ودوراً بعد مراجعة سياسية شاملة، وبعد إحداث تغيير في بنيتها ووسائلها وهيئاتها تخلصاً عن عبء تجربة الحرب وتجاوزها. لكن هذا يبقى في إطار ما أعتقده بأن السياسة فعل إرادي واعٍ يتم في ظروف موضوعية، لكنه يبقى رهن الأفراد الذين يختارون هذا الفعل.
أخيراً..
لا بد من الإشارة إلى أنه لم يسبق أن قام أحد بدراسة هذه التجربة أو تقديم مراجعة سياسية فيها. هناك مساهمات جزئية عن فترة التأسيس أو السير الذاتية الجزئية.
ما تقدمه الدراسة هو قراءة لهذه التجربة قد تصيب وتخطئ، وهي ليست معزولة عن دور الكاتب ولو أنه لا يروي سيرته الذاتية.

الصفحات