تعكس رواية "لهيب خان التجار"، وهي الجزء الثاني من ثلاثية "إلى الغرب من نهر الأردن"، أحداث الانتفاضة الثانية، التي انطلقت مع بداية هذا القرن، أي عام 2000، لتنتهي بوفاة الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات.
قراءة كتاب إلى الغرب من نهر الأردن ج 2 / لهيب خان التجار
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
إلى الغرب من نهر الأردن ج 2 / لهيب خان التجار
الصفحة رقم: 3
قرأ أُقصوصة الورق الصغيرة التي بداخل المغلف، والتي تخبره بطريقة مقتضبة، ولكن واضحة وحاسمة أنّه تمّ إلغاء العملية لأمور طارئة، وعليه أن يُعيد "البضاعة" إلى مكانها، أي إلى الحي القديم بوسط المدينة، وبالذّات خان التجار. لم يخالج عمر أيّ شكّ في صحّة الورقة، ففي ذيلها يكمن توقيع قائد الخليّة أبو عائد الذي يستطيع التعرّف عليه دون عناء. وقبل أن يدفع عربة اليد المحمّلة بعشرات حبات البطيخ، والمرتّبة فوق بعضها البعض بشكل هندسي جميل أقرب منه إلى الهرم، فتح قفص العربة ليطمئنّ على "البضاعة" الأخرى التي تستقر في أسفلها، وهي عبارة عن بندقية قنص وُضعت داخل علبة أنيقة، لا يدلّ مظهرها أبداً على أنّ بداخلها مثل هذا السلاح.
كانت الخطّة التي أعدّها تنظيمه العسكري "مغاويرالأقصى" التي عهد إليه بتنفيذها مع زميل آخر، هي قنص عدد من الجنود الإسرائيليين الذين احتلّوا سطح العمارة المطلّة على ساحة الدوّار، الذي يُعدّ المركز، بل العصب الرئيس لمدينة نابلس. وقد تمّ توقيت تنفيذ العملية عند تغيير فترة الحراسة والمناوبة، حيث يصعد أربعة جنود إلى سطح العمارة ليحلّوا محلّ أربعةٍ آخرين ينزلون إلى الشارع، فتقلّهم الحافلة العسكرية التي أحضرتهم. وفي تلك اللحظة عليه أن يطلق رصاصتين فقط على الجنديين اللذين يصعدان الحافلة من الجهة اليمنى، في حين أنّ زميله الآخر عليه أنْ يعمل الشيء نفسه ، ولكن من الجهة اليسرى، وهكذا يردونهم قتلى في ثوانٍ معدودة. وقد تمّ التخطيط للعملية بهذه الطريقة كي تتمّ بسرعة قبل أن يصل الجنود الأربعة إلى سطح العمارة، المُكوّنة من سبعة طوابق، فيبدؤون بإطلاق الرصاص على المارّة، فتحدث مجزرة.
- بطيخ... بطيخ أحمر وحلو يا بطيخ، قال عمر بصوت آلي وهامسٍ، وهو يدفع العربة نحو الحي القديم التاريخي بأزقّته التي لا يزيد عرض بعضها عن متر أو متر ونصف.
وقصّة عمر مع البطيخ لا تقتصر على بيعه وكسب لقمة عيشه من ورائه، فقد استعمله خلال فترة التدريب على القنص، فكانوا يضعون على مسافات معيّنة حبات من البطيخ معلقة بحبلٍ، وتتأرجح في الهواء شمالاً ويميناً، وبعضها ينزلق على طول عمود أفقي وكانها رأس إنسان يمشي، وعليه أن يصيب البطيخة وأن لا يُخطئ أبداً. حتى أنّهم كانوا يرسمون عليها بألوانٍ واضحةٍ ومغايرةٍ وجهاً بشرياً، أي عينان وفم وأنف وجبين، وعليه أن يصيب الهدف في موقع معيّن من الرأس.
وبشكلٍ تلقائي حبس أنفاسه وهو يتخيّل الوضعيّة التي يتخذها عند التصويب. عليه أن يكون هادئاً وينظّم عملية التنفس، ويضبط العدسة مع الأخذ بعين الاعتبار سرعة تحرّك الهدف والرياح، وذلك لكي يصيبه في المكان المُحدد، بعد ذلك عليه أن يتحسّس الزناد برفقٍ وكانه "جسد امرأة". ويتذكر هذا التعبير بالذّات لأنّ مدربهم كان لا ينفكّ يكرّره كلّما شرحه لهم، ومن ثمّ يضغط عليه بهدوء. لقد كرّر هذه العملية عشرات المرّات، وفي كلّ مرّة كانت البطيخة تنفجر إلى قطعٍ صغيرةٍ حمراء تتناثر في أرجاء المكان.