أنت هنا

قراءة كتاب ليلة في القطار

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
ليلة في القطار

ليلة في القطار

على الرّغم من كلّ ما قد يقوله المتزمّتون، وما قد يتندّر به السّاخرون من أنّني تخلّيت عن الوقار في كهولتي، وقد كنتُ وقورًا رصينًا في كلّ ما كتبت في شبابي، وعلى الرّغم كذلك ممّا قد يتبادر إلى أذهان بعض البسطاء من أنّني قد أردت بهذه الرّواية أن أدغدغ عواطف الم

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 5
وأغادر المطعم لأتجوّل على الرّصيف الطّويل، هنا أسرةٌ تجلس متجمّعةً على المقاعد الحجريّة وتتحادث في هدوء، وهنا شابُّ وفتاة يسيران متخاصرين ويتهامسان في مسيرهما، ورأس كلّ منهما شديد الالتصاق برأس الآخر، وهناك امرأة تحمل سلّة، وأخرى تضع أمامها حقيبةً، وكلاهما تنتظر.
 
وجاء الموعد، وغصّت عربات القطار بالرّكاب، وتعالى صفير القطار مؤذنًا ببدء الرّحلة، ثمّ راح ينساب على الخطوط الحديديّة نحو الميناء، حيث كانت العبّارة البيضاء تنتظر لتنقله عبر خليج مشينا إلى البرّ الإيطاليّ المقابل، أو إلى (القاهرة) كما يدعوها أهل صقلّية، وأهل سردينيا.
 
وشعرت بالسّرور لأنّني سأرى كيف يدخل القطار، بعد أن ينقسم إلى مجموعتين من العربات، إلى قلب سردابين عاليين طويلين في قلب الباخرة، ثمّ أرى الباخرة تحمله بركّابه الّذين يعدّون بالمئات، وتنقل معه ومعهم الكثير من المسافرين الآخرين، ومن السّيّارات، والأمتعة، والبضائع إلى (فيلاسان جوفاني) على الجهة الأخرى من الخليج – كما قيل لي -.
 
إنّ مثل هذا المشهد لشيء نادر، وللأشياء النّادرة جمالها وبهجتها، ولم أكن قد رأيت مثل هذا ولا سمعت به من قبل.
 
وشعرت حقًّا بطرافة المشهد حينما رأيت القطار يدخل في قلب الباخرة، ويسير بنا في وسطها على قضبان حديديّة كالّتي كان يسير عليها على الأرض، ورؤوس الرّكاب تطلّ من نوافذ العربات لكي تشهد هذا المنظر الطّريف، وينهمك عمّال القطار والباخرة في تعيين اتجاه سير قسم من القطّار في السّرداب الأيمن، والقسم الآخر في السّرداب الأيسر.
 
ورحت أتصوّل بعين الخيال، سابقًا مرحلة السّفر، كيف ستحمل مياه الخليج هذه الباخرة الضّخمة، وعلى ظهرها القطار وركّابه، إلى الشّاطئ الآخر، وأكاد أرى شقًّا عميقًّا رهيبًا ينفتح تحت ثقل الباخرة، والباخرة نفسها تسير ثقيلة بطيئة، وأكاد أسمعها تئنّ من ثقل حملها، وهي تتهادى على ظهور الأمواج كما تتهادى الهوادج على ظهور الجمال.
 
وراح القطار يتقدّم تارةً ويتراجع أخرى في قلب المركب، لا يستقرّ في وقفته، والوقت يمرّ سريعًا، واللّيل يزداد كثافةً وسوادًا، والموج يضرب جوانب السّفينة وجدران الميناء دون انقطاع.

الصفحات