على الرّغم من كلّ ما قد يقوله المتزمّتون، وما قد يتندّر به السّاخرون من أنّني تخلّيت عن الوقار في كهولتي، وقد كنتُ وقورًا رصينًا في كلّ ما كتبت في شبابي، وعلى الرّغم كذلك ممّا قد يتبادر إلى أذهان بعض البسطاء من أنّني قد أردت بهذه الرّواية أن أدغدغ عواطف الم
أنت هنا
قراءة كتاب ليلة في القطار
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 6
كانت المشكلة الّتي واجهتني حينما صعدت إلى القطار، قبل دخوله إلى قلب الباخرة، هي: كيف سأقضي اللّيلة كلّها في القطار؟ إنّ التّذكرة الّتي أحملها هي لمقعدٍ في الدّرجة الأولى، والرّحلة طويلة في قلب اللّيل، فكيف أستطيع أن أستريح أو أنام مستندًا إلى مقعدٍ واحدٍ طوال اللّيل؟
وعوّلت على أن أستبدل بتذكرتي تذكرةً أخرى لعربة نومٍ، وأدفع فرق الثّمن، فتقدّمت من عامل التّذاكر وطلبت منه تذكرة لغرفة نومٍ، فقادني إلى حجرة كان فيها رجلان وامرأة، وأشار إلى سريرٍ مرتفعٍ تحته سريرٌ آخر، وقال: "هذا هو سريرك، وتنام السّيّدة على السّرير الّذي تحته، والسّيّدان الآخران على السّريرين المقابلين".
أنا أنام هكذا على سريرٍ معلّق في الهواء، وتحتي سيّدة، ويقابلنا رجلان آخران في حجرةٍ واحدةٍ، وكيف يمكن أن يكون النّوم بهذه الحالة؟
وتملّكتني حيرةٌ وخجلٌ معًا، وخشيت أن أفضح نفسي أمام هؤلاء الغرباء.. فوضعت حقيبتي – وكانت ضخمة ثقيلة – وجلست مرتبكًا، بين نظرات رفاقي الثّلاثة ولم أدر ماذا أقول أو كيف أتصرّف؟ أمّا عامل التّذاكر فقد تركنا وانصرف إلى عمله في العربات الأخرى دون أن يستبدل تذكرتي، فقد أرجأ استبدالها إلى أن يعود من جولته في بقية العربات.
لم أضع حقيبتي على الرّفوف القريبة من سقف الحجرة، كما كان يجب أن أفعل، بل جلست إلى جانبها، ورحت أجيل عيني في الغرفة تارةً، وفي وجوه رفاقي الثّلاثة تارةً أخرى.
كان في الحجرة مقعدين طويلين على جانبيها، تتخلّلهما أكواع متحرّكة تفصل كلّ منهما إلى ثلاثة مقاعدـ، فإذا أزيلت الأكواع تحوّل المقعد المستطيل إلى سريرٍ للنّوم، وقد جلس أحد الرّجلين الآخرين على طرف أحدهما عند الباب يقرأ جريدةً في يده، وجلست أنا على الطرف الآخر في صدر الحجرة، وجلس الرّجل الآخر والسّيّدة على المقعد المقابل، وفوق رؤوسنا رفوف شبكيّة مثبتة إلى قوائم وأكواع حديديّةٍ متينةٍ، لتوضع عليها الحقائب.