أنت هنا

قراءة كتاب ليلة في القطار

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
ليلة في القطار

ليلة في القطار

على الرّغم من كلّ ما قد يقوله المتزمّتون، وما قد يتندّر به السّاخرون من أنّني تخلّيت عن الوقار في كهولتي، وقد كنتُ وقورًا رصينًا في كلّ ما كتبت في شبابي، وعلى الرّغم كذلك ممّا قد يتبادر إلى أذهان بعض البسطاء من أنّني قد أردت بهذه الرّواية أن أدغدغ عواطف الم

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 9
ثمّ استرحتُ هناك على المقعد الطّويل الوثير في الحجرة الدّافئة، وأشعلت سيجارة ورحت أنفث دخانها بهدوءٍ، وأنا أضحك من نفسي لمحاولتي السّخيفة أن أجرّب عربات النّوم لأوّل مرّةٍ في حياتي داخل القطار اللّيليّ.
 
لقد أصبحت منفردًا في حجرةٍ كاملةٍ، ولم تعد تربكني أنظار المرأة الجميلة، وابتساماتها المشفقة، ولا التّفكير في أنّني سأقضي اللّيل في سريرٍ معلّقٍ في الفضاء يضطجع جسدها الطّريّ الشّهيّ على سرير ٍآخر تحته.
 
ولكن، أحقًّا، أنّني لن أفكّر في ذلك الجسد وأنا بعيد عنه، كأنّه ممددٌ بكلّ طراوته ونعومته أمامي؟! أصحيحٌ أنّ خيالي لن يعود ليتمثّله عاريًا شهيًّا في استلقاءاته على سريرٍ تحت سريري؟؟
 
لا .. لا .. هذا الخيال الشّيطانيّ يجب أن أطرده بكلّ قوّتي.. يجب ألّا أسمح له بمضايقتي، فلو شئت أن أترك له مجالًا لما غادرت عربة النّوم وجئت إلى هنا بعيدًا عن جمال المرأة وفتنتها.
 
وعلى لهاث السّيجارة الّذي يرتفع متعرّجًا ثمّ يتبدّد في فضاء الحجرة رحت أشغل تفكيري بأشياء أخرى، وأصرف خيالي إلى أشياء جميلةٍ مريحةٍ..
 
وعاد بي الخيال إلى مهرجان الكرنفال الرّائع الّذي شهدته في مسينا عصر ذلك اليوم نفسه، وكنت من قبل أتمنّى أن أشهد مثل هذا المهرجان الّذي كانت تستهويني رؤيته في الأفلام السّينمائيّة، وقد كان هو أوّل ما لقيني بعد ظهر ذلك اليوم حينما وصلت إلى مسينا قادمًا من أغريجنتو، ومارًّا بكالتانسيتا ثمّ كاتانيا ثمّ تارومينا، ومتغلغلًا في قلب بيّارات البرتقال واللّيمون المتوهّجة بالثّمار الذّهبيّة، والمستحمّة بالعطر على طول السّاحل الصّقليّ المتعرّج من الجنوب إلى الشّمال.
 
كانت مسينا كلّها متجمّعةً في الشّوارع العريضة الطّويلة والسّاحات الرّحيبة: الرّجال والنّساء والأطفال، والشّبان يطوّقون خصور الفتيات بأيديهم، ويقفون لمشاهدة المهرجان السّاخر البهيج، والأولاد يحملون نثارة الورق الملوّن ويرشّونها على كلّ فتاةٍ أو سيّدةٍ يمرّون بها، فتنتشر على رؤوسهنّ وثيابهنّ، فيضحكن ويغتبطن بها، ولا يحاولن أن يطردنها عن شعر رؤوسهنّ أو عن ملابسهنّ.

الصفحات