إنه كتابي الذي سطرته من تجاربي الشخصية ومعاناتي الخاصة، التي لا تختلف كثيراً عن معاناة مئات آلاف الفلسطينيين، التي تفوقها بكثير وتتجاوزها بمراحل؛ فما واجهتُه وعانيتُ منه هو أقل بكثير مما لاقاه غيري، وواجهه من كان قبلي ومن جاء بعدي، ولكنها خلاصة تجربة فيها ا
أنت هنا
قراءة كتاب الأسرى الأحرار - المجلد الثاني
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
الأحكام العالية ...
لا تتوخى «المحاكم الإسرائيلية» العدل والإنصاف وفق قوانينها وأنظمتها، ولا تحرص على أن تتماشى أحكامها مع القوانين التي وضعتها وسنتها بنفسها، وهي وإن كانت قوانين ظالمة ومتعسفة ومبالغٌ فيها، إلا أن الأحكام التي تصدرها محاكمها العسكرية أكثر شدةً وحزماً وإيلاماً وظلماً ومجافاةً للحق من قوانينها، حيث لا يتوقع الفلسطينيون من أي «محكمةٍ عسكرية إسرائيلية» أن تخفف في أحكامها، أو تتساهل في تطبيق قوانينها، بل إن أحكامها دوماً شديدة، وأكثر مما يتوقعه المعتقلون وذووهم، وأكثر مما يتصوره المحامون وهيئات الدفاع، بل إن النيابة العامة العسكرية تطالب دوماً بالأشد ليأخذ القضاة بالشديد، لكن القضاة يأخذون دوماً بالحد الأقصى من أي عقوبة مقترحة، كما أن الأحكام قد لا تتشابه أحياناً، حيث تصدر المحاكم العسكرية أحكاماً أعلى من سابقاتها وإن كانت القضايا متشابهة، وأحياناً تتفاوت الأحكام في شدتها في نفس القضية الواحدة، ولكنها تختلف من معتقلٍ إلى آخر.
أما الأحكام العسكرية التي تصدرها «المحاكم الإسرائيلية»، على أنواعها فهي مختلفة جداً، وهي خارج إطار المنطق والعقل السليم، ولا يتصور إنسانٌ أن يقوم جهاز قضائي بإصدار مثل هذه الأحكام، فقد تصدر حكماً بالسجن لعشرات المؤبدات، ومئات السنين، علماً أن المؤبد في قوانين السجون العسكرية الإسرائيلية هو 99 سنة، كما تصدر أحكاماً بمؤبدٍ واحد بالإضافة إلى عشرات السنين الأخرى من السجن، كما تصدر أحكاماً بالسجن دون المؤبد على أبسط القضايا، التي تخلو من القتل وإلحاق الضرر «بالمصالح الإسرائيلية»، وتدعي بأنها أعمالٌ إرهابية تثير الرعب والإرهاب في «قلوب المواطنين الإسرائيليين»، وتربك حياتهم وتعطل أعمالهم، مما يضطرها لأن تصدر بحقهم أحكاماً بالسجن دون المؤبد، أما أحكام المؤبد الواحد والمضاعف فقد تصدر بحق معتقلين مدانين بقتل مواطنين أو «جنود إسرائيليين»، أو مساهمين في التجهيز لعملياتٍ استشهادية أدت إلى مقتل «عشرات الإسرائيليين». ويوجد في قاموس المحاكم العسكرية أحكامٌ مدى الحياة، وهي تختلف عن أحكام المؤبد الواحد والمضاعف، وإن كانت جميعها متشابهة في أنها أكثر من عمر الإنسان بسنوات، ولا يوجد بين الأحياء من يستطيع العيش لقضاء هذه المدد الطويلة من السجن، مما يجعلها مثار سخرية وتهكم من قبل المعتقلين أنفسهم ومن غيرهم، فمن أين سيأتون بأعمارٍ جديدة يضيفونها إلى أعمارهم ليتمكنوا من قضاء فترة الحكم.
يرى بعض «القانونيين الإسرائيليين» أن «القانون العسكري الإسرائيلي» ينص على أحكامٍ محددة لكل جريمة، حيث أن «القانون الإسرائيلي» قد لحظ أبسط الجرائم وأعظمها، ولم يستثن في تشريعه أي جريمة، ولهذا فإن القاضي عندما يصدر حكمه يستند إلى النصوص القانونية الموجودة، ولكنه لا يقوم في نهاية الحكم بتطبيق الحكم الأقصى، وهو القاعدة الذهبية المتعارف عليها لدى رجال القانون، بأن المتهم الذي يصدر في حقه أكثر من حكم، فإنه يطبق في حقه الحكم الأقصى، ولا يجوز جمع الأحكام ومراكمتها لتصبح حكماً واحداً، وإنما يتم الاكتفاء بأحدها الذي يكون في الغالب هو الحكم الأشد، بينما تقوم «المحاكم الإسرائيلية» بجمع الأحكام كلها مهما بلغت، ليكون مجموعها هو الحكم الصادر على المعتقل.
الغرامة ...
لا تكتفي «المحاكم العسكرية الإسرائيلية» بإصدار أحكامٍ عالية وقاسية جداً بحق المعتقلين الفلسطينيين وغيرهم، وهي كما بينا أحكامٌ غاية في القسوة والغرابة، ولكن السلطات الإسرائيلية لا تتوقف عنها، بل تواصل إصدارها وتتمادى فيه رغم الإدانات الحقوقية الدولية الكثيرة لها، إلا أنها تصدر بجانبها أحكاماً بتغريم المعتقلين بمبالغ مالية كبيرة جداً، وتمهلهم فترة زمنية قصيرة لدفعها، وإلا فإنها تستبدل بفترات سجنٍ إضافية، ولكن «القضاة العسكريين الإسرائيليين» يدركون أن المعتقلين الذين تصدر في حقهم أحكامٌ عالية لسنواتٍ طويلة، لا يبالون إن أضاف القضاة عليها أحكاماً جديدة، أو استبدلوا الغرامة بالسجن، لهذا فإن القضاة لا يحكمون على المعتقلين من ذوي الأحكام العالية بغراماتٍ مالية، وإنما يغرمون فقط المحكومين بفتراتٍ قصيرة، حتى يجبروهم على دفعها وعدم استبدالها بفترات سجن أخرى، ولعل الأطفال والنساء هم أكثر من يغرمون مالياً، فضلاً عن المتهمين بالمشاركة في المظاهرات وقذف «الجنود بالحجارة»، أو القيام بالكتابة على الجدران أو وضع المتاريس. ناهيك عمن يعمل في «مناطق إسرائيلية» دون تصاريح عمل، أو يبيت فيها دون موافقات أمنية، وغير ذلك من التهم التي لا يتعدى الحكم فيها أشهراً قليلة أو سنواتٍ معدودة، ولا يتم الإفراج عن أي من المعتقلين المحكومين بدفع غرامة مالية دون قيام المحامي أو أهل المعتقل بإبراز وصل دفع وأداء الغرامة المالية لدى الجهة المحددة بالأداء فيها.
السجن مع وقف التنفيذ ...
ليست كل الأحكام التي تصدرها «المحاكم العسكرية الإسرائيلية» أحكاماً نافذة بالسجن، وإن كانت في أغلبها كذلك، ولكنها تجمع في أحكامها بين الأحكام التنفيذية العادية وتلك التي مع وقف التنفيذ، حيث تصدر أحكاماً بالسجن مع وقف التنفيذ ضد معتقلين وموقوفين في قضايا صغيرة وبسيطة، كالذين تصدر بحقهم أحكامٌ بالغرامة المالية، كالأطفال والصبية المتهمين برشق الجنود بالحجارة، أو بالكتابة على الجدران، أو توزيع البيانات والمناشير، أو إشعال الإطارات المطاطية ووضع الحواجز على الشوارع والطرقات، أو مخالفات العمل دون تصريح أو المبيت في أماكن محظور المبيت فيها دون إذنٍ من الجهات الأمنية، حيث يصدر القاضي بحقهم أحكاماً بالسجن أو الغرامة المالية، لكنه يتبع حكمه بآخر مع وقف التنفيذ، يكون بالضرورة أقصى من الحكم الفعلي بكثير، ولكنه يكون مرتبطاً بزمنٍ معين، ينتهي العمل بمقتضاه بتجاوز المدة الزمنية المقترنة بالحكم، ويتم تنفيذه في حال تم اعتقال الشخص نفسه على التهمة ذاتها التي حوكم عليها، فيضاف الحكم القديم إلى الجديد ويلزم المعتقل بتنفيذهما معاً، وتكاد تكون أحكام وقف التنفيذ ملازمة دائماً للمعتقلين الأطفال والنساء وجميع الذين يتم توقيفهم عشوائياً دون تهمٍ واضحة ومحددة ضدهم.