أنت هنا

قراءة كتاب الآثار السلبية للعولمة على الوطن العربي وسبل مواجهتها

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الآثار السلبية للعولمة على الوطن العربي وسبل مواجهتها

الآثار السلبية للعولمة على الوطن العربي وسبل مواجهتها

كتاب " الآثار السلبية للعولمة على الوطن العربي  وسبل مواجهتها " ، تأليف عبد الرشيد عبد الحافظ ، والذي صدر عن مكتبة مدبولي عام 2005 مما جاء في مقدمة الكتاب :

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
دار النشر: مكتبة مدبولي
الصفحة رقم: 3

المبحث الأول:فى تعريف العولمة والتمييز بينها وبين ما قد تشتبه بها من مصطلحات
أولاً : فى تعريف العولمة :

ظهر مصطلح (( العولمة )) أولاً باللغـة الإنجليزية ثم تُرجم إلى اللغات الأخرى ومنها اللغة العربية . وإلى جانب كلمة (( العولمة )) جرى تداول كلمات أخرى فى اللغة العـربية ترجمةً لِلَّفظ الإنجليزى (( Globalization )) منهـا : (( الكوكبة )) و (( الكونية )) و (( الكوننة )) ووُجِد متحمسون لكل كلمة من هذه الكلمات ، ولكلٍ منهم حججه فى ذلك ، ولكن يبدو الآن غلبة لفظ (( العولمة )) على غيره من الألفاظ الأخرى للدلالة على هذه الظاهرة .
والعولمة فى اللغة اسم مصدر على وزن (( فوعلة )) مشتق من كلمة (( العالَم )) نحو (( القولبة )) المشتقة من كلمة (( القالب )) . وتشى هذه الصيغة عن وجود فاعل يقوم بالفعل(1) . فإذا كانت القولبة هى : جعل الشيء فى شكل القالب الذى يحتويه ، فالعولمة تعنى جعل النشاطات الإنسانية فى نطاق عالمى ، بمعنى جعل العالم كله مجالاً للنشاطات الإنسانية المتعددة .
ونظراً لأن هذه الظاهرة لا تزال قيد التشكُّل ولم تتحدد ملامحها كاملة بصورة نهائية ، بالإضافة إلى اتساع نطاق هذه الظاهرة وشمولها كافة الأنشطة الإنسانية تقريباً ، وتركيز بعض الباحثين على جانب معين أو جوانب معينة من تجلياتها المتعددة عند دارستها؛ إلى جانب أن هذه الظاهرة باعتبارها ظاهرة اجتماعية إنسانية ستختلف حولها وجهات النظر بالضرورة؛ نظراً لاختلاف ظروف الواقع الذى ينطلق منه الباحث لفهم هذه الظاهرة عن ظروف واقع آخر ، ونظراً لاختلاف المرجعية الفكرية والثقافية التى يقيِّم الظاهرة على أساسها؛ كل ذلك أدى إلى الاختلاف والتباين فى تعريف هذه الظاهرة . فبعض الباحثين ركَّز على الجانب الاقتصادى منها, فذهب إلى أنَّ (( العولمة ربما اتسمت عملياً بأنها سلسلة من الظواهر الاقتصادية المتصلة فى جوهرها؛ وهذه تشمل تحرير الأسواق ورفع القيود عنها ، وخصخصة الأصول ، وتراجع وظائف الدولة ولاسيما ما يتعلق منها بالرفاهية الاجتماعية وانتشار التقنية ، وتوزيع الإنتاج التصنيعى عبر الحدود ( الاستثمار الأجنبى المباشر) ، وتكامل أسواق رأس المال . وتشير العولمة - فى قالبها الاقتصادى الأضيق - إلى انتشار المبيعات ، ومنشئات الإنتاج ، وعمليات التصنيع على مستوى العالم، والتى تعيد معاً تشكيل تقسيم العمل عالمياً ))(2) . وفى نفس الاتجاه يشير بعض الباحثين إلى (( أن العولمة هى وصول الرأسمالية التاريخية عند منعطف القرن العشرين تقريباً إلى نقطة الانتقال من عالمية دائرة التبادل والتجارة والسوق والاستخراج إلى عالمية دائرة الإنتاج وإعادة الإنتاج ذاتها ، أى حقبةثالثة متميزة تنضاف إلى مرحلتى الاستعمار التجارى الأولى ومرحلة الإمبريالية الكلاسيكية اللاحقة ))(3) . وركَّز بعض الكاتبين على البعد الاتصالى للعولمة فقال : (( إن العولمة يمكن تلخيصها فى كلمتين : كثافة انتقال المعلومات وسرعتها إلى درجة أصبحنا نشعر أننا نعيش فىعالمواحدموحد ))(4) . وبعضهم أشار إلى أن : (( جوهر عملية العولمة يتمثل فى سهولة حركة الناس والمعلومات والسلع بين الدول، على النطاق الكونى))(5) . ونحوه القول : (( إن العولمة تمثل تطوراً طبيعياً وثابتًا نحو عالم بلا حدود ))(6) ، أى أنها نتيجة تطور طبيعى لنزوع الإنسانية نحوالتواصـل والاندماج . وفى نفس الاتجاه ولكن بشـكل أكثر تفصيلاً يعرِّف بعض الباحثين العولمة بأنها (( عملية اجتماعية تنحسر فيها قيود الحدود الجغرافية أو السياسية فى تقرير الترتيبات السياسية والاقتصادية والثقافية ، وأن الناس يدركون بازدياد أن هذه القيود آخذة فى الانحسار ))(7) .
والغالب على التعريفات السابقة أنها تنظر للعولمة باعتبارها تطورا طبيعيا فى الحياة الإنسانية على عكس التعريفات التالية التى سنوردها والتى تنحو منحى آخر تؤكِّد على وجود قوى تسيِّر هذه الظاهرة وتحدِّد ملامحها . فيرى بعض الباحثين : (( أن العولمة تمثل مرحلة متقدمة من مراحل تطور الحضارة الرأسمالية وتسعى إلى تصدير القيم والمؤسسات والثقافات التى ولدتها هذه الحضارة إلى المجتمعات والثقافات الأخرى ، ويتمثل ذلك فى سياسات الانفتاح التحررى والاقتصاد العالمى ، من خلال ما تلعبه المؤسسات الاقتصادية والتجارية من دور مهم فى تسويق العولمة وحث الدول على إزالة القيود التجارية والموانع الثقافية سعياً لإزالة الحدود المجتمعية الفاصلة ، وفرض نموذج محدد من نمط الحياة التى تفرزه الحضارة الغربية بهدف الهيمنة والسيطرة على العالم ))(8). ويقول أحد الباحثين (( فعلى كثرة التعريفات التى تطلق على العولمة ، فإنه لا يبقى أمامنا غيرتعريفواحد لا يحتاج إلى جهد كبير للحاق به ، فالعولمة هنا تعنى ... (الأمركة) بكل وضوح ))(9) . ويذهب آخر إلى أن العولمة هى (( فرض تغيرات قاسية على المجتمعات المحلية بواسطة قوى جبارة من الأعلى ))(10) . ويرى آخر أن (( العولمة هى ما اعتدنا فى العالم الثالث ولعدة قرون أن نطلقعليه (( الاستعمار )) . ))(11) .
ومن جانبنا سـنكتفى هنا بإيراد تعريف أوَّلى للعولمة يتنـاولها كحقيقة موضـوعية موجودة فى الواقع وبصـورة مجردة ومحايدة ولا يكشـف عن موقف إيجابى أو سلبى منها .
وهذا التعريف الذى نرتضيه للظاهرة هو : أن العولمة تعنى جعل العالَم مجالاً لممارسة النشاطات المتعددة الاقتصادية ، والسياسية ، والاجتماعية ، والثقافية ... الخ . أو بمعنى آخر إمكانية ممارسة النشاطات المتعددة على مستوى العالم دون أية قيود أو حواجز .
وميزة هذا التعريف الذى نختاره أنه يتناول الظاهرة كواقع موضوعى دون محاولة إضفاء وصف إيجابى أو سلبى عليها . وهذا ما تقتضيه الدراسة العلمية المنهجية للظاهرة، إذ إن تقييم هذه الظاهرة ومعرفة آثارها وتجلياتها ، إيجابية كانت أو سلبية ينبغى أن يأتى فى مرحلة لاحقة بعد فهم أساس وطبيعة الظاهرة أولاً .

الصفحات