أنت هنا

قراءة كتاب الآثار السلبية للعولمة على الوطن العربي وسبل مواجهتها

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الآثار السلبية للعولمة على الوطن العربي وسبل مواجهتها

الآثار السلبية للعولمة على الوطن العربي وسبل مواجهتها

كتاب " الآثار السلبية للعولمة على الوطن العربي  وسبل مواجهتها " ، تأليف عبد الرشيد عبد الحافظ ، والذي صدر عن مكتبة مدبولي عام 2005 مما جاء في مقدمة الكتاب :

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
دار النشر: مكتبة مدبولي
الصفحة رقم: 6

وتأسيساًً لهذه الرؤية التى ننتهجها سنتناول أهم العوامل التى أنتجت العولمة وحددت سماتها وقسماتها ، وتتمثل هذه العوامل فى : الطفرة الهائلة فى تقنية الاتصالات والمعلومات ووسائل النقل ، وقيام الشركات التجارية الكبرى المتعدية للجنسيات ، وانهيار الاتحاد السوفييتى والمنظومة الاشتراكية ، وانفراد الولايات المتحدة الأمريكية بقيادة العالم ، وانتصار مبدأ حرية السوق ، وإنشاء منظمة التجارة العالمية . ونتناولها بشيء من التفصيل فى ما يلى :
( ا ) - الطفرة الهائلة فى تقنية الاتصالات والمعلومات ووسائل النقل :
شهد النصف الثانى من القرن العشرين تطوراً تقنياً مذهلاً فى مجالات عدة وعلى وجه الخصوص فى مجال النقل والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات . فقد تطورت وسائل النقل بمختلف أنواعها البرية والبحرية والجوية تطوراً هائلاً سواء من جهة حمولتها أو سرعتها أو نوع الوقود المستخدم فى تسييرها . ومع زيادة سعتها وسرعتها باطِّراد أصـبح مجال حركتها أكثر اتسـاعاً ، فتقلصت بفضلها المسافات ، واختزل الزمن ، وأصبحت حركة انتقال الأفراد والسلع والخدمات أكثر يسراً وسهولة وسرعة فى أرجاء العالم .
وفى مجال تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات شهد النصف الثانى من القرن العشرين ثورة حقيقية فى هذا المجال بفضل استخدامات الحاسب الآلى ، وشبكة الأقمار الصناعية ، والهاتف المحمول ، وأجهزة الفاكس ، وكلها أدوات فتحت المجال واسعاً أمام الأمم للتواصل وفك العزلة ، والمعرفة الأكثر بدون قيود أو حدود .
لقد سـاهمت أجهزة ( الفاكس ) منذ الثمانينيات من القرن العشرين فى تيسير وتكثيف عملية التواصل بين الأفراد وإشاعة المعرفة وإمكان التفاعل والتنسيق باتجاهات مختلفة سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية .
وغزت الفضاء شـبكة كثيفة من الأقمار الصناعية تتجاوز الآن ألف قمر صناعى تبث إرسالها إلى كل أنحاء الأرض على مدار الساعة بمواد إعلامية لا حصر لها(17) .
وفى التسعينيات من القرن العشرين أصبحت شبكة الإنترنت متاحة لاستخدام العامة وتحولت من شبكة خاصة بالأكاديميين والاستخدامات العسكرية إلى شبكة عامة نمت نمواً مذهلاً بفضل التطور السريع فى تقنية الحاسب الآلي؛ بزيادة كفاءته وانخفاض تكلفته بسرعة عجيبة ، والسهولة فى استخدامه ، فأصبح استخدام شبكة الإنترنت من السهولة التى تقترب بها حاليا من استخدام جهاز التلفزيون أو الهاتف المحمول(18) . وقد نمت شبكة الإنترنت نمواً هائلاً من 16 مليون مستخدم عام 1995م إلى أكثر من 400 مليون مستخدم عام 2000م ، ومن المتوقع أن يصل هذا العدد إلىمليار مستخدم عام 2005م(19) . وفى نفس الوقت تنمو صفحات الشبكة نمواً فائقاً ، فمن 70 مليون صفحة كان يمكن للمرء أن يصل إليها على الشبكة عام 1996م إلى 2 .5 مليار صفحة يمكن الوصول إليها عام 2001م ، وهناك 7 .3 ملايين صفحة تضاف كل يوم . ومن المنتظر بحلولعام 2020م أن تصبح شبكة الإنترنت حاوية لكامل الخبرة الإنسانية لهذا الكوكب ، وهى المعرفة والحكمة اللتان تراكمتا على مدى كل التاريخ الإنساني(20) . وأصبحت شبكة الإنترنت صندوقاً للعجائب بحق ، حيث تختزن صفحاتها كل ما يمكن للإنسان أن يتخيله من معلومات ومعارف جادة أو تافهة ، مفيدة أو غير مفيدة ، ولا يحدها فى ذلك أية حدود ، فإلى جانب الكثير من صفحاتها المفيدة هناك أيضاً الكثير من الغث والرديء ، فإلى جانب صفحات الدين والحكمة والفلسفة والفكر والعلم ، هناك صفحات الجريمة والفحش والبذاءة والفسق . لقد فتحت شبكة الإنترنت أمام الإنسان آفاقاً رحبة للمعرفة بلا حدود ، وأصبح بالإمكان الحصول على المعارف والمعلومات والأخبار . . .الخ من أى مكان فى العالم فى أية لحظة بمجرد تحريك مؤشر الفأرة على أيقونة الموقع المطلوب . وأصبحت أداة تواصل عالمية فعالة ببساطتها وسهولتها وتدنى تكلفتها وتعدد مزاياها وأدواتها : من البريد الإلكترونى E-Mail إلى المحادثة عبر الإنترنت Chat بالكتابة ، أو بالصوت ، أو بالصوت والصورة معاً . وأصبح متاحاً أمام الإنسان أن يمارس أغلب نشاطاته من خلال هذه الشبكة ، من إبرام الصفقات والتعلم إلى عقد الصداقات والتسلية والترفيه دون قيد من الزمان والمكان .
(ب) : انهيار الاتحاد السوفييتى والمنظومة الاشتراكية وانفراد الولايات المتحدة الأمريكية بقيادة العالم :
مع بداية العقد الأخير من القرن العشرين كانت المنظومة الاشتراكية قد تهاوت وانفرط عقد الاتحاد السوفييتى . وبذلك أنهار أحد قطبى النظام العالمى ، وبانهياره انهار التوازن فى هذا النظام ، وتفردت بقيادة العالم دولة واحدة هى الولايات المتحدة الأمريكية .
ولم يكن انهيار الاتحاد السوفييتى انهياراً لدولة عظمى فقط بل كان أيضاً انهياراً لأيديولوجيته وفلسفته التى قام عليها ، وشكَّل فى نفس الوقت انتصاراً للفلسفة الأخرى المقابلة وهى الفلسفة الليبرالية ، التى ما لبثت أن أصبحت هى السائدة فى الكتلة الاشتراكية السابقة ذاتها .
وبدخول العالم عصر القطبية الأحادية وانفراد دولة واحدة بقيادة العالم أصبح من الممكن فرض سياسات معينة على مستوى العالم كله تقريباً ، على عكس الحال فى عصر الثنائية القطبية حيث كان أقصى مدى لسياسة معينة يمكن فرضها لا يتجاوز نطاق أحد المعسكرين .
كما أن تبنى الفلسفة الليبرالية فى المجتمعات التى كانت ضمن المنظومة الاشتراكية جعل أسلوب ممارسة النشاطات المتعددة واحداً على مستوى العالم كله تقريباً .
وهكذا يبدو أن الظروف التى نتجت عن انفراط عقد الاتحاد السوفييتى والمنظومة الاشتراكية ، وانهيار عقيدته الشيوعية؛ قد ساهمت فى بروز ظاهرة العولمة وفى تحديد ملامحها أيضاً .
( ج ) : بروز الشركات الكبرى المتعدية للجنسيات :
برزت إلى الوجود فى العقدين الأخيرين من القرن العشرين ظاهرة الشركات العملاقة العاملة فى نشاطات مختلفة : صناعية ومصرفية وخدمية ... الخ . وقد نمت هذه الشركات المتعدية للجنسيات نمواً سريعاً من بضعة شركات فى السبعينيات من القرن الماضى إلى ما يفوق ال40 ألف شركةمتعدية للجنسيات حالياً(21) . وتتمتع هذه الشركات بقدرات اقتصادية ومالية ضخمة تمكنها من تخطى الحدود القومية ، وهى قوة ناتجة من قدرتها على تعبئة الموارد المالية والطبيعية والبشرية على مستوى العالم كله ، وقدرتها على تطوير التكنولوجيا الحديثة والكفاءات الإنتاجية والإداريةوالتسويقية على أوسع نطاق(22) . ويمكن القول إن وجود هذه الشركات العملاقة قد جعل العولمة حقيقة واقعة ، لأن هذه الشركات هى القادرة على الاستفادة من الظروف التى تتيحها مناخات العولمة ، كما أن لهذه الشركات دورًا فى التسريع بخطى العولمة؛ لأن مصلحتها تكمن فى هذا السبيل ، وهى قادرة فعلاً على التأثير فى هذا الاتجاه ، بما تملكه من قدرات كبيرة لإملاء شروطها على الدول . وتقوم هذه الشركات بنشاطاتها متجاوزة الحدود القومية ، بل تعتمد فى نشاطاتها على السوق العالمية ، وتقوم بتقسيم العمل فى المشروع الواحد على مستوى عالمى ، حيث يتم توزيع العمليات الإنتاجية جغرافياً على نطاق عالمى على أساس ميزات الموقع ، وتعمل على تحقيق قدر عال من اللامركزية فى الإنتاج ، ولكن مع قدر عال آخر من المركزية بالنسبة للتخطيط والتمويل والتسويق والتجديد التكنولوجي(23) .
وربما يبالغ بعض الباحثين فيذهب إلى أن (( هذه الشركات لم يعد لها هوية أو جنسية محددة ، ولم تعد تنتمى لدولة ، ولا تعترف بموطئ قدم واحدة ، ولا تؤمن بالولاء لأية قومية أو منطقة جغرافية ، كما أنه ليس لهذه الشركات من مقر واحد . ولا تتأثر بسياسات دولة من الدول ، متجاوزة بذلك الحواجز والقيود التقليدية على النشاط التجارى والمالى والصناعى . فمقرها الإدارى فى دولة, ومقرها التسويقى فى دولة ثانية ، ومقرها الهندسى والفنى فى دولة ثالثة ، ومقرها الإنتاجى فى دولة رابعة ، ومقرها الإقليمى فى دولة خامسة ، ومقرها الدعائى والإعلانى فى دولة سادسة ، ومقرها التنفيذى فى دولة سابعة ))(24) .
ولكن الواقع أن هذه الشركات تتمركز جغرافياً فى مجموعة محدودة من الدول حيث تنتمى 172 شركة من بين 200 شركة تحتل المرتبة الأكبر من هذه الشركات المتعدية للجنسية؛ إلى الدول الخمس الأكثر تقدماً ( الولايات المتحدة الأمريكية ، واليابان ، وألمانيا ، وبريطانيا ، وفرنسا)(25) .وهناك أيضاً تمركز شديد لرأس المال فيما بين هذه الشـركات أيضاً ( أى تمركز التمركز ) حيث تستأثر 10 شركات بأكثر من ثلث العوائد السـنوية لمجموع الـ200 شركة(26) . ومما تجدر الإشارة فى هذا السياق أنه (( رغم أن هذه الشركات موجودة بنشاطها وعملياتها وسلعها واستثماراتها فى كل أرجاء المعمورة؛ إلا أن الجزء الأكبر والأهم من نشاطاتها يتركز حول ثلاث مناطق اقتصادية رئيسية تتركز فيها ثروة تقدر بحوالى20 تريليون دولار ، أى أكثر من 80 % من إجمالى الناتج القومى العالمى ، وتستأثر بحوالى 85 % من إجمالى التجارة العالمية . هذه المناطق الثلاث هى : دول الاتحاد الأوروبى ، ودول منطقة التجارة الحرة لدول أمريكا الشمالية المعروفة باسم النافتا Nafta التى تضم كلاً من الولايات المتحدة وكندا والمكسيك ، وأخيراً محيط الين الذى يضم اليابان والصين ودول جنوب شرق آسيا . أما بقية المناطق مثل أمريكا اللاتينية وإفريقيا والشرقالأوسط ووسط آسيا وحتى الدول النفطية فى الخليج العربى فهى فى العموم مناطق اقتصادية غير أساسية بالنسبة لعمليات ونشاط هذه الشركات المعولمة ))(27) .
( د ) : إنشاء منظمة التجارة العالمية :
مثَّل قيام منظمة التجارة العالمية فى عام 1995م تحولاً هاماً فى النظام التجارى العالمى على طريق تحرير المبادلات التجارية والنشاط الاقتصادى بوجه عام على نحو غير مسبوق .
لقد ظل النظام التجارى العالمى السابق - القائم على الاتفاقية العامة للتعرفة الجمركية والتجارة ، المعروفة اختصاراً بالجات ( G .A .T .T . ) التى تأسست عام 1947م - مفتقراً إلى المؤسسة القانونية التى تضمن تنفيذ أحكام هذه الاتفاقية ، واستمر الوضع على هذه الصورة لمدة خمسين سنة تقريباً ، تم خلالها عقد ثمانى جولات للمفاوضات التجارية المتعددة الأطراف كانت آخرها جولة الأوروغواى ( 1986م-1994م ) . وابتداءً من 1/1/1995م تحولت الاتفاقية إلى منظمة عالمية هى (( منظمة التجارة العالمية )) التى تختلف كثيراً عن اتفاقية (الجات) ، من حيث اتساع نطاقتنظيمها للمبادلات التجارية التى أصبحت تشمل تجارة الخدمات ، وتتناول حقوق الملكية الفكرية ، إلى جانب تجارة السلع؛ ومن جهة امتلاكها لآلياتها الكاملة من القواعد والأدوات التى تضمن تطبيق أهداف المنظمة على أكمل وجه وفرض العقوبات على المخالفين لها(28) .
وبناءً على ذلك أصبحت منظمة التجارة العالمية هى الأداة القائمة على النظام التجارى الجديد ، وهى التى تختص بفحص السياسات التجارية لأعضائها ، فهى تقوم بفحص سياسات الدول الأعضاء؛ لإظهار مدى احترام الدولة العضو لالتزاماتها المتعددة الأطراف؛ كتحرير تجارتها الخارجية من القيود الكمية والرسوم الجمركية ، وكذلك شفافية القوانين الداخلية المرتبطة بالتجارة الخارجية والاستثمارات الأجنبية . كما أصبحت منظمة التجارة العالمية هى الجهة الوحيدة المختصة بالنظر فى المنازعات التجارية بين الأعضاء . وتلتزم الدول الأعضاء باحترام القرارات الصادرة عن أجهزة المنظمة وبتطبيقها فوراً دون أى شرط إلا فى الحالات التى تستوجب منح فترة زمنية معقولة يحددها جهاز فض المنازعات(29) .
لقد أخذت المنظمة على عاتقها العمل على إنجاز برنامج طويل لتحرير التجارة فى العالم كله، قوامه : التحرير من القيود الكمية والرسوم الجمركية وفق مبدأين أساسيين: المبدأ الأول : الدول الأولى بالرعاية ، ويعنى أن الامتيازات الممنوحة من قبل دولة لبلد ما يجب أن تمنح أيضاً للبلدان الأخرى ، ويهدف هذا المبدأ إلى تحقيق المساواة بين جميع الدول . والمبدأ الثانى : المعاملة الوطنية ، ويقضى بأن السلع المستوردة يجب أن تعامل معاملة السلع المنتجة محليا(30) .
ولا شك أن قيام المنظمة وبالقواعد التى تضمنتها قد فتح الباب واسعاً لحرية تدفق السلع والخدمات فى كل أرجاء المعمورة ، وشكل مع غيره من العوامل السابقة ملامح نظام عالمى جديد هو نظام عصر العولمة .

الصفحات