كتاب " الآثار السلبية للعولمة على الوطن العربي وسبل مواجهتها " ، تأليف عبد الرشيد عبد الحافظ ، والذي صدر عن مكتبة مدبولي عام 2005 مما جاء في مقدمة الكتاب :
أنت هنا
قراءة كتاب الآثار السلبية للعولمة على الوطن العربي وسبل مواجهتها
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

الآثار السلبية للعولمة على الوطن العربي وسبل مواجهتها
أولاً : انهيار حلم التنمية الوطنية المستقلة :
تسعى كل المجتمعات البشرية إلى إحراز تنمية وطنية متكاملة تتمكن خلالها من استغلال مواردها وإمكانياتها المتاحة على أكمل وجه لتحقيق نهضتها وإشباع حاجات أفرادها العديدة والمتجددة .
ونجاح أى تنمية وطنية فى أى مجتمع من المجتمعات منوط بقدرة هذا المجتمع على الاستفادة من الإمكانيات والموارد المتاحة له وفق ظروفه الخاصة به لإنجاز مشروعه التنموى المطلوب .
ولا شك أن طبيعة المشروع التنموى المطلوب والملائم لمجتمع ما ستختلف عما هو ملائم لمجتمع آخر ، نظراً لاختلاف ظروف كل مجتمع واحتياجاته وإمكانياته المتاحة .
وفى مجتمع مثل مجتمعاتنا التى تفتقر إلى الحد الأدنى من البُنى الأساسية اللازمة للنهضة والتقدم تصبح المهمة الأولى لأى مشروع تنموى هى إنجاز هذه البنية الأساسية ولو فى حدها الأدنى .
وليس أمام أى مجتمع من المجتمعات التى تخلفت عن ركب التقدم الإنسانى إلا أن تبحث عن حلول واقعية لحل مشاكلها توفِّق فيها بين احتياجاتها وأحلامها وتطلعاتها ، وبين ظروفها وإمكانياتها المتاحة ، لا أن تبحث عن حلول سحرية تقفز بها من واقعها إلى أحلامها قفزة واحدة . بل إن المطلوب فقط - وهذا هو الممكن - أن تحدد احتياجاتها وترتبها بحسب إلحاح أولوياتها ثم تحسن استغلال إمكانياتها ومواردها المتاحة لإنجاز مشروعاتها المطلوبة أولاً فأول . أما المدى الذى ستبلغه فى هذا الطريق فهو رهن بمقدار ما لديها من إمكانيات ثم قدرتها على استغلالها بأسلوب أمثل ، وفى ظروف مناسبة .
وبناءً على ما سبق فإن مهمة إنجاز المشروع التنموى المستقل لمجتمع ما تتطلب الآتى :
1 - وجود سلطة سياسية لديها القناعة والتصميم على إنجاز مثل هذا المشروع ، وفق رؤية واضحة له ، ووجود أداة إدارية قادرة على القيام بالمهام التى يفرضها إنجاز هذا المشروع ، وتهيئة الظروف الملائمة لذلك .
2 - تقييم دقيق لحجم الموارد والإمكانيات المتاحة فى المجتمع .
3 - تلمس احتياجات هذا المجتمع ، وترتيب هذه الاحتياجات بحسب أولوية كل منها .
4 - وجود خطة علمية مدروسة سلفاً تحدد مراحل وكيفية إنجاز المشروع .
وفى المرحلة التاريخية السابقة على انهيار الاتحاد السوفييتى ، عندما كان النظام العالمى قائماً على الثنائية القطبية ، كانت الظروف أكثر ملاءمة أمام كثير من المجتمعات للقيام بمشروعات تنموية طموحة ، واستطاعت بعض المجتمعات أن تحرز إنجازات جيدة فى هذا السبيل . وكان متاحاً أمام تلك المجتمعات امتلاك قدر معين من الحرية للقيام بتنمية وطنية مستقلة وتبنى خطط وطنية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية ، وكان بإمكان تلك المجتمعات تهيئة الظروف الملائمة لإنجاح خططها التنموية فى ظل قدرة الدولة على اتخاذ سياسات وإجراءات اقتصادية معينة فى نطاق إقليمها ، نحو اتخاذ إجراءات حماية لأسواقها ومنتجاتها فى مواجهة الخارج من خلال سياسة الحماية الجمركية والتحكم بالتجارة الخارجية وتشجيع الاستثمار الوطنى وغير ذلك .
وتراوح حجم النجاح أو الفشل فى تلك التجارب بمقدار اقتراب كل منها من توفير الشروط الموضوعية اللازمة لإنجازها ، وعدم وجود عوائق خارجية واجهتها .
وقد حاولت بعض الأقطار العربية السير فى هذا الطريق كمصر والجزائر والعراق ، وربما حققت بعض الإنجازات فى هذا السبيل إلا أنها ظلت بعيدة عن الطموح المنشود لأسباب متعددة داخلية وخارجية .
وما نريد الإشارة إليه هنا هو أن الظروف التاريخية لما قبل عصر العولمة كانت تتيح للشعوب والأمم خيارات كثيرة لإقامة تنمية وطنية مستقلة .
أما فى عصر العولمة فلا شك أن الأمر أصبح أكثر صعوبة؛ فظروف وأدوات ومؤسسات العولمة تقف اليوم بالمرصاد أمام أية خطط وطنية لإجراء تنمية مستقلة . وتقف على رأس هذه المؤسسات : منظمة التجارة العالمية ، وصندوق النقد الدولى والبنك الدولى .
فوفق قواعد منظمة التجارة العالمية تفقد الدولة الوطنية قدرتها على فرض إجراءات حمائية تقتضيها خطتها التنموية ، ولا مفر أمامها من فتح حدودها وأسواقها أمام طوفان السلع والخدمات الأجنبية ، وتكون النتيجة هى القضاء على المنتجات الوطنية التى لن تصبح قادرة على المنافسة مع المنتجات الأجنبية التى توفرت لها ظروف مناسبة خلال فترة زمنية طويلة؛ استقام فيها عودها وأصبحت قادرة على المنافسة بعد ذلك . بالإضافة إلى عدم قدرة الدولة على إحكام الرقابة على الاستثمار المنجز على أراضيها وتوجيهه الوجهة المناسبة . كما أن الالتزامات المفروضة فى ظل منظمة التجارة العالمية لحماية حقوق الملكية الفكرية؛ تجعل من الحصول على التقانة أمراً صعب المنال ، أو على الأقل أكثر كلفة ، وهو عائق آخر أمام المجتمعات النامية نحو إقامة تنمية وطنية مستقلة .
وإذا ما قيل إن ظروف العولمة تتيح حرية انتقال رؤوس الأموال وتمكِّن الشركات الكبرى من إقامة مشروعاتها فى أى مكان من العالم ، وبالتالى يمكن أن تستفيد الدول النامية من استقطاب تلك المشروعات بما يخدم تنشيط اقتصادها؛ فإنه وإن كان فى هذا التصور شيء من الصحة ، لكن يبقى أن إقامة مثل هذه المشاريع يخضع لسياسة رؤوس الأموال الأجنبية وليس لمقتضى احتياج البلد وأولياته التنموية ، فرؤوس الأموال الأجنبية فى سعيها الدؤوب نحو تحقيق الربح لا يعنيها ظروف المجتمع واحتياجاته وسلم الأولويات لديه ، ولكن وجهتها الربح والمزيد من الربح ، ويمكن لها أن تعدل عن الاستمرار فى نشاطاتها ومشاريعها فى هذا البلد وتغلق مصانعها وتحول مشاريعها إلى منطقة أخرى وفقاً لمصالحها وما تحققه لها هذه المشاريع من أرباح ، بغض النظر عن الآثار السلبية الناتجة عن هذا العدول على مصالح المجتمع الحيوية .