رواية " الدكتورة هناء "، تأليف ريم بسيوني، والذي صدرر عن مكتبة مدبلولي عام 2008 ، نقرأ منها:
أنت هنا
قراءة كتاب الدكتورة هناء
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
الدكتورة هناء
(1)
..... هناك أيام في حياة الإنسان تمرُّ في هدوء ورتابة ، وهناك أيام تمرُّ في نشوة عارمة ، وأيام تمرُّ في ضيق وكسل وأيام! ربنا يكفينا شَّرها. وكان هذا اليوم بالذات يبدو كئيباً طويلاً كأيامها الماضية ، وبصفة خاصة لأن هذا هو يوم عيد ميلادها..الأربعين.
وكانت قد أقسمت لنفسها منذ عشرين عاماً إنها في عيد ميلادها الأربعين سوف تقيم حفلاً كبيراً تدعو له زوجها، وأقارب زوجها، وأصدقاء أولادها، وكل الضباط ، وكل الموظفين ، وكل ربَّات البيوت ، وكل من له سلطة وحق اتخاذ القرار ، . وكل من يملك مصيره بيده ، وكل من يصنع قدره ، وكل العمال والفلاحين.
و عندما جاء اليوم ، كانت هناء وحيدة وحدة تضيق منها القطط البرية في بيت امرأة عانس.
عانس! كلمة مخيفة ورهيبة.
ولكنها ليست عانساً ، ولا تبدو في الأربعين على الإطلاق. نظرت إلى نفسها في المرآة ، تبدو في الثلاثين ، ربما في العشرين ، فحجمها ضئيل ، ومعصمها رفيع ورقيق.
وكيف تصاب المرأة بالكهولة؟ عندما يفقد معصمها رونقه! وكان معصمها في قمة رونقه ، وملامحها الصغيرة الحادة لم تتغير. لم تزل ملامح فأر رمادي صغير ، وجسدها لم يفقد رونقه ، وحتى التجاعيد الطفيفة حول عينيها ليست واضحة بالعين المجرَّدة.
وكان يوماً مملاًّ ومخيفاً. وكانت شجاعة ، وتخاف من مواجهة هذا اليوم. وكعادتها كانت منظمة وتكتب كل خططها لليوم.
في الساعة التاسعة ستذهب لزيارة أستاذتها في المستشفى بعد أن أصيبت بجلطة طفيفة ، ثم تحاول من جديد مقابلة رئيس القسم ، ثم تجهز نفسها للسفر غداً إلى المؤتمر العلمي.
و كان شيء واحد يسيطر عليها.
فكرة واحدة تأكل عقلها.
سوف تذهب لرئيس القسم وهي لم تزل عذراء.
سوف تجهز للمؤتمر وهي لم تزل عذراء.
وسوف تتم الأربعين وهي لم تزل عذراء.
وكانت الفكرة تصيبها بالقرف ، وكان لابد من مخرج ، فعذريتها أصبحت تخنقها وتطرحها أرضاً. عذريتها التي حافظت عليها سنين أصبحت عدوها اللدود. ومن يستحق أن يفض بكارة دكتورة هناء؟ هل وُلد من يستحق هذا أم لم يولد بعد؟
و كانت فكرة واحدة تسيطر عليها: اليوم لابد أن تفقد عذريتها، سريعاً ، وإلاَّ أصبحت عانساً كئيبة في الأربعين. إذا فقدت عذريتها اليوم فستصبح امرأة في الأربعين. وهذا شيء مُشرِّف. أما أن تبقى فتاة في الأربعين لأن من يستحقها لم يولد بعد فهذه كارثة ، وهي عملية وتعرف ماذا تريد .
جلست دكتورة هناء سعد تتأمل سكرتير رئيس القسم في عصبية وترقُّب وغيظ لم تشعر بمثله من قبل. لو كان هناك رغبة واحدة في حياتها اليوم فهي أن تدق على رأس عبد الحميد سكرتير رئيس القسم بمطرقة صلبة وقاسية حتى ترى وتشعر بدمائه على يديها وأنفها وعينيها.
كان يقول بلهجة الحاكم بأمر الله يوم أن منع الملوخية وحرق شوارع القاهرة: يا دكتورة هناء..قلت لك الدكتور سامي مشغول قوي.
تنفست الصعداء ، وقالت في صوت حاد مرتعش: يجب أن يمضي على الموافقة على سفري اليوم. لو لم يفعل لن أستطيع أن أسافر إلى المؤتمر ولو لم أسافر ...
قاطعها الرجل في ضيق: يا دكتورة هناء قلت لك مشغول.
ثم أدار وجهه عنها في ازدراء ، وبدأ في التكلم مع أستاذ آخر.
لم تكن مستعدة للاستسلام. يجب أن تسافر غداً. واليوم يجب أن تفقد عذريتها ، ويجب أن تنال من السكرتير ، ويجب أن تفترس حقها من فم الذئاب.
هذا هو عصر الافتراس ، وعصر عبد الحميد ، وعصر الخوف والنفاق والكسل ، وعصر الطغاة والمستعمرين. هذا عصر تكرهه وجو لا تعرفه ، وهذا السكرتير يثير القرف في نفسها.
أغمضت عينيها وهي تجلس وتستمع للإطراء على السكرتير من كل أستاذ جامعي يتمنى رضا رئيس القسم.