أنت هنا

قراءة كتاب العقل سفر في عالم مجرد

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
العقل سفر في عالم مجرد

العقل سفر في عالم مجرد

كتاب " العقل سفر في عالم مجرد " ، تأليف ماهر أبو شقرا ، والذي صدر دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2013 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 1

مقدمة الكتاب

كنت أخوض نقاشاً مع أحد معارفي حول موضوعة العقل، وذلك بعد انتهائي من العمل على المسودة الأولى لهذا الكتاب. وهو شخص يحب أن يطلق عليه لقب «مفكر»، وأذكر هذا اللقب هنا تلبية لرغبته... لقد كان النقاش شيقاً جداً، تداولنا فيه العديد من المفاهيم والأفكار، على الرغم من أن كلاً منا كان يتكلم من منظور مختلف. لكن لعل أهم ما تلقيت خلال هذا النقاش كان فكرةً يمكن أن ألخصها بالتالي: «لا يمكن نقد فيلسوف، فهذا عالم... من نحن حتى ننتقد الفيلسوف هذا أو ذاك؟». أقول «أهم» كون هذا التعليق جاء في سياق إحدى الإشكاليات الأساسية التي أحاول طرحها من خلال هذا الكتاب... لقد استحضرت هذه الملحوظة كل تهم الهرطقة التي كانت تطلق في القرون الوسطى ضد كل من خرج عن المنظومة الفكرية المهيمنة.

إن العقل البشري الجماعي لم يتطور مهما تطور أو تغير شكل المعرفة، ومهما تغير من يقبض على مفاصل تلك المعرفة ومن يتكلم بصفته «قيماً» عليها. وتهم الهرطقة وشتى أنواع «التكفير» وإطلاق الحرم على مساءلة كل ما هو «مقدس» لاتزال هي هيَ. والمنطق الذي كان سائداً أيام كان الإكليروس يقبضون على «الحقيقة» وعلى الحق بادعاء امتلاك المعرفة لايزال هو نفسه وإن تغيرت ملامحه...

وما ينطبق على الفلسفة ضمن هذا الإطار ينطبق على سائر المجالات العلمية والطب والفيزياء وما إلى هنالك من مجالات. فعلى الرغم من فشل الطب العلاجي في شفاء معظم إن لم نقل سائر الأمراض المستعصية، فإن مجرد مساءلة المنهج المعتمد في الطب تعد ضرباً من الهرطقة أو عملاً شاذاً عن القاعدة. والأمر ينسحب على جميع فروع العلوم. إن المنهج الذهني السائد منهج ينطلق من أعلى إلى أسفل، ومن حيث يقبع المفكرون والفلاسفة والعلماء بأفكارهم ونظرياتهم وهالتهم الأكاديمية لتعمم على سائر البشر، على العقل الجماعي البشري... وبالتالي فإن مطلق نزوع في المنهجية نحو الاتجاه من أسفل إلى أعلى يجابه بالتكفير وتطلق عليه سائر الاتهامات التي تنضوي تحت مظلة الهرطقة.

*

لقد كانت «الحقيقة» ولاتزال حلماً يدغدع عقول المفكرين والفلاسفة والعلماء. وفي خضم سيرورة البحث عن «الحقيقة» شهد المنهج المعرفي، الذي كما سنرى يرتكز دائماً على التفاصيل، الكثير من التفرع وزادت تقسيماته على حساب المنظور الوحدوي للوجود ولفهم الواقع. وهذه إشكالية أساسية من الإشكاليات التي نحاول طرحها من خلال هذا الكتاب... فالواقع هائل التفاصيل، ولا سبيل لحصر أو لفهم تعقيداته من خلال اتباع منهج يرتكز على التفاصيل، من خلال منهج ذهني خطي ضئيل كما سنرى. إذن، فإن النقد الموجه لأي فكر من خلال هذا الكتاب لا يتبع المنهج المعرفي الذي يطرحه ذاك الفكر أو الذي يندرج ضمن إطاره، إنما النقد يأتي في سياق «مساءلة» المنهج الذهني الذي يعتمده ذاك الفكر. بمعنى آخر، فإننا عندما ننتقد فكراً معيناً في هذا الكتاب، فإننا لا ننتقد هذا الفكر من خلال الآليات المعرفية نفسها التي يرتكز عليها هذا الفكر، إنما من خلال نقد هذه الآليات. وكما سنرى، فإنه على أقل تقدير، فإن الغالبية الكاسحة من الفلسفات إنما ترتكز على منهج ذهني واحد، منهج يرتكز على التفاصيل في وجود لا سبيل لحصر تفاصيله...

تلك «الإنجازات» التي قدمتها سائر الفلسفات والعلوم ولاتزال تقدمها، هل قربتنا من معرفة الحقيقة أكثر؟ أم أن الإنسان حين كان متماهياً مع الوجود متناغماً معه كان أقرب إلى «الحقيقة» مما نحن عليه اليوم؟ بشكل آخر، هل أن المنهج الذهني المعرفي السائد الذي يرتكز على التفاصيل قد جر العقل البشري الجماعي في سيرورة بناءة للاقتراب من الحقيقة؟ أم أنه جره في سيرورة هدامة جعلت المعرفة تغرق في التفاصيل، وبالتالي أبعد العقل البشري الجماعي عن «الحقيقة» أكثر فأكثر؟

الصفحات