كتاب "الزحف المقدس - مظاهرات التنحّي، وتشكّل عبادة ناصر"؛ يقول الكاتب والباحث شريف يونس، في مقدمة كتابه:
أنت هنا
قراءة كتاب الزحف المقدس
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

الزحف المقدس
لنبدأ بتحديد السمات الإيديولوجية الأساسية للحدث التي يتعيّن بحث جذورها:
ـ الحدث أولًا نتيجة تحرّك الجمهور العفوي بلا قيادات، بصفته، كما قيل لاحقًا، «شعبًا يرفض الهزيمة». وبرغم أنّ فكرة «الشعب» تبدو بديهية، إلّا أنّها في واقع الأمر نتاج طبيعة سلطة، وإيديولوجيا تمّ تسييدها، صوّرت الشعب ككتلة واحدة، ليست في حاجة إلّا لتنظيم سياسي واحد، لما لها، فيما افتُرض، من أهداف واحدة. وجوهر الفكرة هو تحويل الشعب إلى أفراد لا تجمّعهم أيّة رابطة واسعة خارج سيطرة السلطة.
ـ وهو ثانيًا يعتمد على جهود النظام عبر عقد ونصف عقد لتعبئة أفراد هذا «الشعب» ليكونوا موالين للنظام، لا بالمشاركة في السلطة، سواء بالسيطرة على المجال الإيديولوجي أو بأفكاره عن المساواة والاشتراكية وسياسته الاجتماعية.
ـ وهو ثالثًا نتيجة سيادة نمط معيّن من إيديولوجيا التحرّر الوطني، له طابع شعبوي populist، يركز على فكرة «العزّة والكرامة»، ويقوم على إخضاع السياسة الخارجية لمجال ابتزاز أخلاقي، بما أدّى في النهاية إلى تورّط النظام في الحرب لأسباب إيديولوجية أساسًا.
ـ وهو أخيرًا نتيجة تجسّد الدولة، بل وهذا «الشعب الواحد»، في شخص واحد، هو جمال عبد الناصر، الذي هتفت المظاهرات باسمه، معتبرة بقاءه على قمّة السلطة، دون غيره من «رجال الثورة»، تجسيدًا وحيدًا وضروريًّا لوجودها نفسه. وعلى عكس الفكرة القائلة بأنّ الزعامة «طبيعة» تنبع من ذات الزعيم وقدراته وإخلاصه، ومختلف خصاله، ستبيّن الدراسة كيف أمكن تاريخيًّا تجسيد «الشعب الواحد» في شخص.
ستتناول فصول الكتاب هذه العناصر، لتنتهي بتحليل تفصيلي إلى حدٍّ ما لـ«خطاب التنحّي»، وكيفية عمله على استثمار محصّلة هذه الوجبة الإيديولوجية المتكاملة التي قُررت على المصريين على مدى خمسة عشر عامًا، بما يتّفق مع ظروف لحظة الهزيمة.
على هذا النحو، يُعَد الكتاب في المقام الأول محاولة للحفر عن كيفية تشكيل الوعي العامّ في تلك الفترة بأدوات السلطة وبأيدي رجالها، ومحتوى هذا الوعي. ومن هنا اعتمد في المقام الأول على مجموعة من النصوص التي رسمت حدود المجال الإيديولوجي وطبيعته في تلك المرحلة، وعلى رأسها خطب الرئيس عبد الناصر، وزملائه من أعضاء مجلس قيادة الثورة، وتصريحاتهم وأحاديثهم الصحفية. فضلًا عن مقالات أعلام الصحافة في ذلك الحين مثل مصطفى أمين ومحمد حسنين هيكل وأحمد بهاء الدين وإحسان عبد القدوس ومحمد التابعي وغيرهم، لدورهم البارز في تشكيل المجال الإيديولوجي للفترة، فضلًا عن مانشيتات الصحف وما ورد بها من أخبار بشأن أدوات التعبئة الإيديولوجية المختلفة.
إلى جانب ذلك تعتمد الدراسة بصفة مكمّلة على مذكّرات المشاركين في تلك الفترة وكذا العديد من الدراسات التي كُتبت عن جوانب متعدّدة من تاريخها. وتتعرّض بشكل مختصر للتحوّلات الاقتصادية/ الاجتماعية التي أجراها النظام في تلك الفترة وآثارها الإيديولوجية.