هذا الكتاب هو نسخة مزيدة ومنقحة لكتابنا " مبادئ الاقتصاد " الذي صدرت طبعته الأولى عام 1988.
أنت هنا
قراءة كتاب مبادئ الاقتصاد
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
تطور علم الإقتصاد
لو استعرضنا تاريخ الفكر الاقتصادي لوجدنا أن أبرز الشواغل التي شغلت الإنسان منذ أن عرف الحياة في إطار التكوينات الاجتماعية المختلفة، ذلك الصراع المتصل بينه وبين الطبيعة المحيطة به في محاولته للوصول إلى حل ما أصطلح على تسميته بالمشكلة الإقتصادية.
ولقد تبلور هذا الفكر في عصور متعاقبة، يتأثر علماؤه بأفكار سابقيهم، ثم يضعون نتاج جهودهم أمام من يليهم حتى جعلوا من الإقتصاد علماً له أطره التي تحدد معالمه.
لكن علم الإقتصاد لم يظهر كعلم من العلوم بالشروط المحددة للعلم بالمعنى الواسع إلا في تاريخ حديث نسبياً لاحق للقرن السادس عشر وقد اختلف العلماء في تحديد النقطة التي بدأ منها علم الإقتصاد، فمنهم من قال إنه بدأ بكتاب آدم سميث " ثروة الأمم" عام 1776م، وعند آخرين يبدأ بكتاب كانتيلون "بحث في طبيعة التجارة بصفة عامة" عام 1730م، وعند آخرين يبدأ بكتابات وليام بتي 1623- 1687 ويعتبرونه مؤسس علم الإقتصاد السياسي. غير أن التفكير الإقتصادي ظهر قبل هذا التاريخ.
ونستطيع أن نقسم المراحل التي مر فيها علم الإقتصاد إلى المراحل التالية:
مدرسة التجاريين (المركنتيليّة) سيطرت أفكار هذه المدرسة منذ اولخر القرون الوسطى إلى ما يقرب من منتصف القرن الثامن عشر. فقد أدت الاكتشافات الجغرافية إلى توسيع نطاق التجارة، وتدفق المعادن النفسية، ولقد تميزت هذه المرحلة التي سيطرت فيها أفكار المدرسة التجارية بأن التجارة احتلت المكان الأول في التفكير الإقتصادي، وقد كانوا يرون أن مركز الدولة وقوتها يتحدد بمقدار ماتملكه من معادن نفسية، وإن هذه المعادن تأتي بها التجارة. ولقد اقتضى نمو التجارة وازدهارها أن يهتم الإقتصاديون بالصناعة ليس لذاتها ولكن باعتبارها ضرورية للتجارة. ولقد تميزت هذه المرحلة بتدخل الدولة في الحياة الإقتصادية، وكانت الزراعة عندهم في ذيل قائمة الإهتمام ولو أمعنا النظر في أفكار هذه المدرسة لوجدنا أن السياسية الإقتصادية في نظرهم تهتم بقوة الدولة وعظمتها بينما رفاهية الفرد لم تكن من أهدافهم.
ونستطيع القول إن مدرسة التجاريين كانت مدرسة نقدية (تهتم بالمعادن وتراكمها) وإنها مدرسة وطنية أو قومية (تهتم بمصالح الدولة القومية) وأنها مدرسة تدخلية (لأنها تؤمن بتدخل الدولة في النشاط الإقتصادي).
مدرسة الطبيعيين (الفيزيوقراط): بعد أن قامت الدولة الحديثة وتدعمت أسسها الإقتصادية ظهرت فلسفات جديدة تنظر نظرة ارتياب إلى تدخل الدولة وتؤكد على الحرية الفردية والمساواة باعتبارها جزءاً من القانون الطبيعي، وقد ظهرت مدرسة الطبيعيين بعد منتصف القرن الثامن عشر في فرنسا وقد انحصرت كتابات مفكريها في المدة بين 1756-1778م.
وخلاصة تفكير الطبيعيين أن الظواهر الإقتصادية يسيطر عليها نظام طبيعي، وهم يؤكدون على النشاط الزراعي ويعدّون الأرض المصدر الأساسي للانتاج، وما عدا الزراعة من الأنشطة كالصناعة والتجارة عقيمة غير منتجة في نظرهم، وهم ينادون بالحرية الإقتصادية وعدم التدخل.
مدرسة التقليدين (أو الكلاسيك): إن الكثير من أسس هذه المدرسة الفكرية وضعها آدم سميث الذي تأثر بكتابات سابقية كما برز من مفكريها العظام "ريكاردو". وخلاصة تفكير هذه المدرسة أن النظام الطبيعي هو الذي يسيطر على الظواهر الإقتصادية إلا أن المنفعة الشخصية هي التي تقود الانسان في تصرفاته. كما أن مفكري هذه المدرسة دافعوا عن الحرية الإقتصادية، واعتبروا أن قوة الدولة ليست في مقدار ما تملكه من الذهب والفضة وإنما في مقدار ما تملكه من قوة عاملة وإنتاج. ويقررون مبدأ الانسجام بين سعي الأفراد وراء مصالحهم الخاصة وبين مصلحة الجماعة.
المرحلة الحديثة: وفي هذه المرحلة يهتم المفكرون بالإضافة إلى ما سبق بمشاكل التنمية وحل مشاكل البطالة ومعالجة الأوضاع الإقتصادية التي أصبحت ظاهرة في اقتصاديات الدول الرأسمالية الحديثة وهي ظاهرة التضخم وظاهرة الكساد وكيفية معالجتها. وتشمل أيضاً مشاكل النقود والسياسات النقدية والسياسات المالية.
ولعل المرحلة الحديثة في الفكر الإقتصادي بدأت بعد الكساد العالمي الكبير الذي حلّ بالدول الرأسمالية عام 1929م وكانت هذه الأزمة الإقتصادية ذات أثر كبير على المفكرين الذين كانوا يظنون بأن المبادئ التي يقوم عليها النظام الرأسمالي من حرية وعدم تدخل، كفيلة باستمرار هذا النظام لكي يؤدي وظيفته على أكمل وجه، ولكن هذه الأزمة نبهت إلى أن هذه المبادئ بحاجة إلى إعادة نظر، فظهر الإقتصادي الشهير "كينز" وجاء بأفكار جديدة تعتبر بداية المرحلة الحديثة لا سيما ما جاء في نظريته العامة للتوظف وأفكاره عن سعر الفائدة والنقود والكفاءة الحدية لرأس المال.
كما لا بد لنا من الإشارة إلى المدرسة الاشتراكية- بالرغم من دراستنا للإقتصاد على أساس المذهب الرأسمالي- تلك التي أسسها كارل ماركس وفريدريك أنجلز، وطبقها لينين بعد الثورة البلشفية في روسيا عام 1917م والتي اعتمدت سيطرة الدول على وسائل الانتاج وأحلت التخطيط المركزي في توجيه الانتاج والاستهلاك محل الثمن وآلية السوق.