أنت هنا

قراءة كتاب شفرة الموهبة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
شفرة الموهبة

شفرة الموهبة

كتاب " شفرة الموهبة " ، تأليف دانيال كويل ترجمه إلى العربية تامر فتحي ، والذي صدر عن دار التنوير عام 2014 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
دار النشر: دار التنوير
الصفحة رقم: 3

بعد عدة دقائق لا يستطيع ماكفرسون تحمُّل الأمر أكثر من ذلك. يعيد مقطع الفيديو إلى الوراء لمشاهدة كلاريسة وهي تتمرن على أغنية «الزفاف الذهبي» مرة أخرى. إنه يريد مشاهدة المقطع لنفس السبب الذي عندي. إنها ليست صورة لموهبة صنعتها الجينات الوراثية، بل هو أمر أكثر تشويقًا. إنها ست دقائق لشخص عادي يدخل منطقة مثمرة بشكل ساحر، حيث المزيد من المهارات يُصنع مع كل ثانية.

«يا إلهي» يقول ماكفرسون في حزن، «لو أن أحدًا بوسعه تعبئة ذلك السر في زجاجة لقدِّرت قيمته بالملايين».

هذا الكتاب عن فكرة بسيطة مفادها أن كلاريسة ومكامن الموهبة تعملان نفس الشيء. فهما ملتصقتان بآلية عصبية تبني المهارةَ فيها بأنماط معينة من التدريب محدد الغاية. ودون أن تعيا ذلك، تكونان قد دخلتا منطقة التعلم السريع، التي وإن كان يصعب تعبئتها في زجاجة، لكن يمكن، للعارفين كيفية ذلك، الوصول إليها. باختصار الذين حلُّوا رموز شِفرة الموهبة.

«شِفرة الموهبة» مبنية على اكتشافات علمية ثورية بخصوص عازل عصبي يسمى المايلين، الذي يعتبره بعض أطباء الأعصاب الكأس المقدسة لاكتساب المهارة. وهنا السبب. كل مهارة بشرية، سواء كانت لعب البيسبول أم لعب مقطوعة موسيقية لـ«باخ»، مصنوعة من سلسلة من الألياف العصبية تحمل موجة كهربائية متناهية الصغر بشكل أساسي، إنها إشارة ترتحل عبر دائرة كهربية. ودور المايلين الحيوي هو أن يلف على الألياف العصبية بنفس الطريقة التي يلف بها العازل المطاطي على سلك النحاس، مما يجعل الإشارة أقوى وأسرع من خلال منع الموجات الكهربية من التسرب. عندما نشعل دوائرنا الكهربية على النحو الصحيح، حين نتمرن على تطويح ذلك المضرب أو عزف تلك النغمة، فإن المايلين الخاص بنا يستجيب بلف طبقات من العزل حول تلك الدائرة العصبية، كل طبقة جديدة تضيف المزيد من المهارة والسرعة. وكلما زادت سماكة المايلين كلما تحسن عزله، وصارت حركاتنا وأفكارنا أسرع وأكثر دقة.

المايلين مهم لعدة أسباب.:

فهو عالمي: أي بوسع كل شخص تنميته بشكل أسرع طيلة الطفولة وطيلة الحياة أيضًا.

وغير انتقائي: فنموه يُمَكِّن من امتلاك كل المهارات الذهنية والبدنية.

وغير محسوس: لأننا لا يمكننا رؤيته أو الشعور به، ولا يمكننا استشعار نموه إلا عن طريق نتائجه التي تبدو سحرية.

الأهم من هذا كله، على أية حال، هو أن المايلين مهم لأنه يمدنا بنموذج حيوي جديد لفهم المهارة. وبذلك تكون المهارة هي عازل خلوي يغلف الدوائر العصبية وينمو استجابةً لإشارات معينة. فكلما أضفتَ المزيدَ من الوقت والطاقة في التمرين الصحيح -أي كلما مكثتَ أطول وقت في منطقة كلاريسة، تشعل الإشارات الصحيحة خلال دوائرك العصبية- كلما حصلت على المزيد من المهارة، أو لنقل على نحو مختلف اكتسبت المزيد من المايلين. كل كسب للمهارة، وكذلك كل مكامن الموهبة، يعملان وفق نفس قواعد الأداء، ولا يهم كيف يبدوان لنا مختلفين. وهكذا كما قال دكتور جورج برتازوكس، طبيب الأعصاب والباحث في مادة المايلين بجامعة كاليفورنيا، في لوس أنجلوس: «كل المهارات، واللغات، والموسيقى، والحركات مصنوعة من دوائر حية، وكل الدوائر تنمو وفق قواعد معينة».

على مدار الصفحات القادمة، سنرى هذه القواعد وهي قيد العمل، وذلك من خلال زيارة أفضل لاعبي كرة القدم في العالم، أو سارقي البنوك، وعازفي الكمان، والطيارين المقاتلين، الفنانين ولاعبي التزلج. سنكتشف بعض مكامن الموهبة المدهشة التي تتفوق لأسباب لا يقدر حتى أصحابها على تخمينها. سنلتقي بمجموعة متنوعة من علماء ومدرّبين ومدرسين وباحثين في الموهبة، يكتشفون أدوات جديدة لاكتساب المهارة. علاوة على ذلك سنكتشف طرقًا معينة يمكن أن تحدث فيها هذه الأدوات فرقًا في زيادة النتائج المرتقبة في حياتنا وحياة الآخرين من حولنا.

تبدو فكرة أن كل المهارات تنمو وفق نفس الآلية الخلوية غريبة ومفاجئة، لأن المهارات متنوعة بشكل مذهل. لكن مرة أخرى، كل تنوع هذا الكوكب مبني على آليات تكيفية مشتركة، التطور لا يكون بأي وسيلة أخرى. فالشجر الأحمر يختلف عن الورد لكن كلًا منهما ينمو من خلال عملية البناء الضوئي. تختلف الفيَلّة عن الأميبا، لكن كلا منهما يستخدم نفس الآلية الخلوية لتحويل الطعام إلى طاقة. لاعبو التنس والمغنون والرسامون لا يبدو أن لديهم الكثير من القواسم المشتركة، إلا أنهم جميعًا يحسنون من أدائهم من خلال التحسين التدريجي للتوقيت والسرعة والدقة، من خلال شحذ الشبكات العصبية والالتزام بقواعد شِفرة الموهبة- باختصار عن طريق زيادة نمو المايلين.

هذا الكتاب مقسم إلى ثلاثة أجزاء -التدريب العميق والاشتغال والتدريس المتخصص- تتطابق والعناصر الثلاثة الرئيسية في شِفرة الموهبة. كل عنصر مفيد في حد ذاته، لكن التقاءهم هو مفتاح صنع المهارة. نحِّ جانبًا عنصرًا تُبطِىء العملية. ادمجهم، حتى لست دقائق، وستبدأ الأشياء في التغير.

الصفحات